كثيراً ما يعاني الباحث في المملكة العربية السعودية من معوقات تأخر عملية النشر في المجلات العلمية أو تحول دونها , منها ما له علاقة بالباحث و البحث و منه ما له علاقة بالمجلات العلمية و العاملين بها , سواءً تلك المجلات الصادرة عن الجامعات السعودية أو المجلات العلمية ذات الطابع الفردي .
يعد النشر العلمي المحصلة النهائيةللبحوثالعلمية،والبابالرئيسلنشر العلم والمعرفة، ومصدراً أساسياً للحضارة الإنسانية , وتكمن أهمية النشر العلمي في المساهمةالفاعلةفي تطوير طرق وأساليب العمل لدى الأفراد والمؤسسات من خلال الاطلاع على كل ما هو جديد و تنشيط حركة البحث العلمي و ضمان حقوق المؤلفين في بحوثهم المنشورة لأنه يمثل عملية توثيق لذلك.
وبالرغم من الصورة المشرقة التي رسمتها المجلات العلمية المحكمة في المجتمع السعودي , فقد ظهرت العديد من الصعوبات التي تؤثر على سير عملية النشر العلمي فيه , منها ما كان يتعلق بالمشكلات الفنية و الإدارية والمالية والتقنية وغيرها .
ولأهمية النشر العلمي في المجتمع السعودي فقد أجريت حوله دراسات عدة، التي هدفت إلى الكشف عن آليات إنتاج العلم و واقع حركة النشر في المملكة العربية السعودية ، منها الدراسات التي ناقشت قضية النشر العلمي بجامعة الملك سعود، و مفهوم النشر الإلكتروني ودوره في تطوير البحث العلمي، ودراسة عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي ناقشت مفهوم النشر العلمي ورؤيته من منظور عالمي.
و بالإضافة إلى الدراسات والبحوث السابقة ، فإن جهوداً عديدة مخلصة في مجال النشر في الجامعات العربية و السعودية خصوصاً ، قد أفاضت في تبيان المعايير والضوابط المنهجية للإنتاج العلمي في تلك العلوم من دون أن تتطرق إلى بيئة النشر والصعوبات التي تعترض نشر هذه العلوم في الآونة الراهنة ، وهو الأمر الذي يعني أن هذه الجهود لم تكتمل حلقاتها ، ولم تنته إلى الثمرة المرجوة منها.
و على الرغم منتنوع المنهجيات المتبعة في مجال النشر في المجتمع السعودي ،واختلاف السياسات بين الجامعات ، إلا أن معظمها اتفق على وجود أزمة حقيقية في النشر العلمي حيث يواجه النشر العلمي في ميدان المجتمع السعودي صعوبات وتحديات كثيرة .
ومن أهم الأسباب التي تقف خلف تلك المشكلات كانت :
- ضعف الدعم المالي و التسويق و محدودية انتشار المجلة و يمكن القول أن هذه المشكلة تنطبق على جميع المجلات العلمية التي تصدرها مختلف المؤسسات و بخاصة الجامعات و مراكز الدراسات العليا , و على الرغم مما تملكه هذه المجلات من بحوث مهمة فإنها تفتقر للانتشار المحدود فضلاً عن ضعف تسويقها و توزيعها خارج حدود المملكة .
- عدم التزام بعض الباحثين بضوابط النشر العلمي المنصوص عليها في المجلة و تفاوت الباحثين في طريقة توثيق المراجع العلمية , وقد اقترحت بعض الدوريات العربية تحديد أسلوب التوثيق الصحيح للمعلومات المستقاة من الإنترنت .
- طول المدة الزمنية لتقييم البحوث من قبل المحكمين و إعادة تقريرها للمجلة و نشرها و يعود التأخير أيضا لكثة الأبحاث المقدمة عادة و عدم توافر الحيز الكافي لنشر كل ما يقدم للمجلة , و هذا التأخير يثير شكوك الباحثين الذين يسعون لنشر أبحاثهم بأسرع وقت .
- عدم الالتزام بالمعايير و المواصفات القياسية المعترف بها : على الرغم من التزام بعض المجلات في المجتمع السعودي بتطبيق معظم المواصفات القياسية مثل مجلة جامعة الملك سعود و جامعة الملك عبد العزيز إلا أن الكثير من المجلات الأخرى لا تلتزم بهذه المقاييس .
- تعانى معظم الجامعات العربية من البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية فضلا عن وجودة فجوة بينها وبين مشاركتها في المجتمع .
- غياب أو ضعف توثيق المجلات العلمية في المجتمع العربي بشكل عام وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص , حيث لا يوجد قواعد بيانات أو أدوات فعالة لكشف و معرفة ما تحويه تلك المجلات من مقالات و أبحاث علمية وبخاصة في هذا الوقت التي يشهد زيادة مضطردة في حجم المجلات الصادرة عن الجامعات السعودية باستثناء بعض الجهود التي ظهرت في الآونة الأخيرة .
- عدم دقة البيانات الواردة عن المجلات و عدم اكتمالها وقد تم حصر مجموعة من البيانات الخاطئة في المصادر التي تناولت المجلات السعودية على سبيل المثال :
- اختلاف المصادر في الإشارة إلى صيغة العنوان للمجلة
- اختلاف المصادر في تحديد بداية صدور و تاريخ التوقف لبعض المجلات
- اختلاف المصادر في تحديد مكان و جهة الصدور للمجلة.
- عدم القدرة على استمرارية النشر لبعض المجلات العلمية و توقف المجلات عن النشر بعد فترة قصيرة لأسباب عدة منها اعتبارات تنظيمية وإدارية أو رغبة المجلة في الانضمام لمجلة أخرى .
- قضايا التحكيم العلمي : حيث يعتبر التحكيم سلاح ذو حدين , فهو من جهة يضمن الموثوقية و يكفل للمجلة المحافظة على مستواها , و من جهة أخرى فإن التحكيم يثير الكثير من المشكلات والاتهامات بين الباحثين والمحكمين و التشكيك في نزاهة المحكمين .
- انتهاك حقوق الملكية الفكرية : على الرغم من ميزات النشر الإلكتروني للمجلات العلمية في شبكة الإنترنت إلا أنها لها العديد من السلبيات من السرقة و الغش و الانتحال مما ترتب عليه انتهاك الحقوق الأدبية و المادية للباحثين وبروز ما يسمى بالجرائم المعلوماتية و القرصنة الإلكترونية .
- القيود التي تفرضها المجلات على الأبحاث المقدمة للنشر فيها من حيث طول البحث و التعهدات و عدد الكلمات في الملخصات .
- تقادم المعلومات التي تنشر في المجلات , حيث يفترض تحديثها كي لا تفقد قيمتها مع الزمن .
- ارتفاع تكاليف و رسوم النشر في المجلات العلمية
- الرقابة على الإنتاج الفكري: يلاحظ على بعض القوانين أنها تفرض قيودا على التداول والنشر لا تتناسب مع العصر الذي نعيشه الآن في ظل العولمة و التكنولوجيا و الاتصالات .
- الاعتماد على العلاقات الشخصية والجهود الفردية في نشر البحث العلمي مما قد يؤدي لعدم تكافؤ الفرص بين الباحثين .
بالإضافة الى جملة من المشكلات والصعوبات التي تواجه الباحثين السعوديين أنفسهم في نشر منتوجهم الفكري وأبرز هذه المشاكل :
- الصعوبات التكنولوجية : وهي الصعوبات ذات علاقة بتطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة و التي يعاني منها بعض الباحثين الذين يمكن وصفهم بالأميين تكنولوجياً , و ميول بعض الباحثين للتشبث بالطرق التقليدية في البحث عن المعلومات المطلوبة مبررين ذلك بعدم حاجتهم إلى المصادر الإلكترونية لتوافر هذه المعلومات في المصادر المطبوعة مما يحرمهم من معلومات حديثة مهمة في مجال بحثهم .
- ضعف معرفة الباحثين بقواعد البيانات المتاحة: يحتاج الباحثون في الوقت الحاضر إلى قواعد بيانات أساسية وحديثة تمكنهم من متابعة ما يستجد من معلومات ومعارف متخصصة .
- صعوبات لغوية : حيث تفرض العديد من المجلات على الباحثين تقديم أوراقهم البحثية بلغة ثانية غير العربية مما قد يؤثر على طبيعة البحث و يدفع الباحث للتردد في عملية النشر في هذه المجلات .
- ضعف خبرة القائمين على بعض المجلات العلمية و وعدم كفاءة هيئة التحرير في المجلة
- وجود بعض الممارسات السياسية التي تؤثر على المؤسسات الأكاديمية والنشر العلمي ، منها تدخل السلطة في الأمور الأكاديمية , مما يتناقض مع الحرية الأكاديمية وإمكانية التعبير عن الاختلاف حتى مع ممثلي السلطة السياسية .
- تهميش للكوادر البحثية التي لا تتفق وسياسية السلطة : ونشر أبحاث غير صالحة للنشر بدافع المحسوبيات , مما يؤثر سلبا على أنشطة البحث العلمي المختلفة وتطويرها، وكذلك على مؤسسات البحث العلمي.