مع بداية القرن العشرين بدأ انتشار المجلات العلمية لتكون المكتبة التي توثق نتاج دراسات الباحثين وتحميها من السرقة و الانتحال , فعدم توثيق الباحث لبحثه قد يدفع بعض عديمي الأخلاق لانتحال صفة ابتكاره أو قد يموت البحث مع موت الباحث, لذلك كان لابد من انتشار هذه المجلات .
نتيجة اندفاع الباحثين على الكتابة وخلق الجو التنافسي بينهم ليكونوا أول من يدون نتائج الأبحاث الجديدة , ظهرت العديد من المجلات والتي دعت الباحثين الطلاب لنشر أبحاثهم العلمية فيها , وكان الهدف لأغلبهم هو تحقيق المرابح وكسب أموال لا المنفعة العلمية , و أصبحت تقدم ميزات وعروض خاصة بها لتجذب الناشرين دون وضع شروط تحد من التقليل بهيبة و مكانة المجتمع العلمي ونشر الأبحاث دون توثيق أو تحكيم .
لذلك كان لابد من إيجاد حد للحفاظ على هذه المجلات من الضياع و تصنيفها في قواعد بيانات مفهرسة تنقذ الباحثين من الضياع الذي وقعو به , فأصبح الباحثين يميزون بين المجلات ذات الجودة العلمي والمجلات الربحية ليتمكنوا من نشر أبحاثهم و هم مطمئنين على مستقبلها , و كذلك القراء والدارسون الذين يعتمدون في حصد الأفكار والثقافة الذاتية على مجلات موثوقة .
و بما أن المجلات العلمية هي المنبر الرئيسي للأبحاث التي تنطلق لتعبر عن الفكر العلمي للباحث وتنشر آخر التطورات و الاكتشاف في مجال التخصص , لذلك وجب عليها أن تتماشى مع مسيرة التطور التي عصفت بالبشرية و ساعدت على توفير مصادر معرفية جديدة للنهوض بالمستوى العلمي إلى المستويات العالمية .
لذلك نرى هذه المجلات تعمل على تحقيق أفضل الخدمات لعملائها و الحصول على امتيازات عالمية لزيادة جودة البحوث المنشورة فيها و إعلاء مكانتها بين الطلاب والباحثين الذين ينصب كامل اهتمامهم في الفوائد التي تعود عليهم من عملية نشر الأبحاث في المجلات العلمية .
تسابقت الكثير من المجلات لتؤكد نفسها في التصنيفات العالمية من خلال التضمين في قواعد البيانات المفهرسة العالمية والتي تعتبر مصنع لشهرة المجلات ودليل على جودتها و موثوقيتها , وليس من السهل لهذه المجلات أن تكون مصنفة ضمن قواعد البيانات هذه , فكل منها له شروطه يجب على المجلة تحقيقها ليت قبولها .
- قاعدة البيانات المشهورة ISI المعروفة بمعهد المعلومات العلمية يعتبرها الكثير إلى وقتنا الحالي أفضل قواعد البيانات التي يؤخذ بها مكانة المجلة المصنفة ضمنها , وهي تحتوي ما يقارب ثلاثة عشر الف مجلة علمية متخصصة في الكثير من المجلات , على الرغم من رأي البعض بضعف المجلات المختصة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية و المنطوية تحت غطائها إلى أنها لاتزال تعتبر خير المقاييس المعيارية .
وكان لها دور يمكن اعتباره منفرد في تطوير معامل تأثير المجلة IMPACT FACTOR والذي نراه في معلومات أي مجلة ومن خلاله يقرر الكثير أهمية المجلة و يعتمدوه في اختيار المجلة التي يريدون إقرار النشر فيها .
- و مع انطلاق قاعدة البيانات الأوربية SCOPUS التابعة لشركة Elsevier بدأ بعض الباحثون بالتوجه أكثر لاعتماد النشر في المجلات التي تغطيها قاعدة البيانات هذه , مما شكل تنافساً قوياً مع ISI , حيث تضم SCOPUS ضعف عدد المجلات التي تغطيها ISI , إضافة إلى تطوير عدد من معايير القياس SJR و SNIP التي لا تقل قيمة عن معامل التأثير .
- و أدى ظهور منصة الباحث العلمي Google Scolar إلى انحسار دور قواعد البيانات السابقة قليلا , حيث تستفيد هذه المنصة من مكانة وقدرات محرك البحث Google بالوصول إلى كل المنشورات العلمية بمختلف أشكالها , ويرى بعض الباحثين والخبراء أن اعتبار منصة Google Scolar لأي وثيقة دراسة أو بحثية (بمختلف أشكالها واختصاصاتها ) متاحة للقراءة و الاستشهاد بها سينال من مكانة النشر العلمي , ولكن البعض المؤيدين لهذه المنصة يرونه نوع من التطور الذي يشهده الواقع , وعلى الباحثين مواكبة هذا التطور بالإضافة إلى ظهور الدوريات المتاحة الوصول دون حواجز مالية أو قانونية (مثل الدوريات المتاحة عن طريق الجامعات الحكومية) .
واعتبر البعض أن أساليب النشر في قواعد البيانات ISI و Scopus تقليدية و يجب العمل على تعديلها أو التخلص منها أصلاً وذلك باعتقادهم أنها تسبب إشكاليات كثيرة وأهمها :
- تهتم بالمجلات و الأبحاث التي تنشر فيها ولا تركز كثيراً على الباحث و بيانته الشخصية .
- لتكلفة الكبيرة للاشتراك في قواعد البيانات هذه بسبب احتكار شركات النشر لها , والذي سبب تمييز بين الباحثين والبعض منهم الغير قادر على تحمل هذه التكلفة مما سبب حسب زعمهم ضمور في نشر بعض الأبحاث .
- الميول للنشر في المجلات الغربية ذات الجودة الأعلى أو الترغيب للنشر فيها للحصول على امتيازات أفضل و مكانة تنافسية و الترقيات , مما أدى لجعل اللغات الغربية كالإنجليزية مهيمنة على الاكتشافات العلمية .
- تفرض قيود على الباحثين وتضعف إمكانية النقاش بينهم باعتبارها مصادر غير مفتوحة .
لذلك نرى أنه ومن غير المقصود بدأ الاتجاه من قبل بعض الباحثين للنشر في منصة (GS) حيث تفتح المجال للعامة لنشر أبحاثهم من دون قيود وتركز " إضافةً للبحوث " على التأثير الذي تقدمه المقالات والكتب في المجتمع .
ولكن مع كل هذا التطور والميزات التي خصصتها لنا المنصات الحديثة للنشر وعلاقتها الوثيقة بالمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي الذي يشغل الجميع , لا يمكننا إنكار دور المجلات العلمية لنشر البحوث المتضمنة في قواعد البيانات الشهيرة و التي أصبح البعض يسميها "التقليدية " , بالإضافة الى أن الكثير من الجامعات تعتمدها مصدر ثقة و تشجع على التعامل معها , كما أن عدد كبير من المجلات التابعة للجامعات سعت للوصول للعالمية من خلالها ونجح البعض في ذلك ولهذا كما نعرف دور كبير في ترتيب مستوى الجامعات .