جميع ما نراه حولنا من تقدم و تطور و تعاملات حيوية هو نتاج للفكر و العقلية البشرية،، والذي خرج لنا على هيئة أبحاث علمية حددت تعريفات المادة أو المشكلة و الأسباب التي دفعت للبحث عنها و الإيمان بأهميتها و ماهيتها و التنبؤات المتعلقة بها، و عرفت هذه الأبحاث بالفرضيات التي تم الارتكاز عليها و أساليب التحليل و الأدوات التي تم اتباعها، مما سبق عرفنا البحث العلمي بأنه أساس و سبب معرفة جميع الظواهر المحيطة و الاكتشافات، و كل ما قد يخطر في ذهننا أو نراه من حولنا.
و هذا البحث العلمي و النتاج الفكري الذي خرج به الباحث قد يذهب سدى اذا ما تم نشره و من هنا جاءت أهمية النشر العلمي و الذي قدم المعرفة لجميع المهتمين من باحثين و مفكرين و أكاديميين، فالنشر العلمي أتاح لهم التعرف باستمرار على آخر الظواهر و الاكتشافات و الاطلاع ع النظريات و البراهين الحديثة و الاتكال عليها في دراسات و أبحاث جديدة قد تكون أيضا نقطة مفصلية في حياتنا على جميع الأصعدة.
و النشر العلمي ليس بجديد فهو انتقال الأفكار بين الحضارات منذ القديم بطرق مختلفة تطورت مع تطوره ، فاجتماع العلماء القدماء و تعريف بعضهم بأهم ما توصلوا إليه , و دعوتهم للنشر في حضاراتهم من أقدم طرق النشر العلمي ، كما ساعدت الحروب و الهجرات على عملية النشر , تطورت هذه الطرق حتى دخلت عالم المطبوعات و الإعلام و الصحافة و التي لم تكن ذات جودة عالية في النشر العلمي ، و لكنها كانت كفيلة بتقديم ما طمح له الباحث آنذاك و مع كثرة الاكتشافات و الدراسات أصبح موضوع النشر العلمي مهم أكثر , و خاصة للمهتمين بالشهرة من الباحثين و تحصيل مكانة لأسمائهم بين العلماء في نفس الاختصاص ، فظهرت دور النشر العلمي و التي ساعدت على توثيق الأبحاث و الدراسات و أرشفتها للعودة إليها في الوقت اللازم و التعرف على مضمونها أو الاستناد إليها، و ظهرت بعد ذلك العديد من وسائل النشر العلمي التي ساعدت الباحثين على تحقيق أكثر ما يطمحون إليه و سهلت عليهم عملية البحث عن طريقة للنشر العلمي و الموثوق .
كان دور وسائل النشر العلمي هذه محوري و خاصة في زمن أصبحت فيه هذه الوسائل سبلاً للتجارة و كسب الأرباح بعيدا عن الهدف العلمي و نشر الغايات العلمية بمختلف النواحي الإنسانية و الاجتماعية و التقنية، و شهدت هذه الفترة تراجع في عمليات النشر العلمي بسبب عدم موثوقية الباحثين بهذا الوسائل من مجلات علمية و بعض دور النشر، فكان ذلك سببا بدعوة العلماء إلى توجيه الجهود لتوثيق دراساتهم إيمانا منهم بأهمية نشرها كسبيل لتقدم المجتمعات.
ردا على تراجع النشر العلمي و الدعوات الموالية لردع عمليات النشر اللاأخلاقي ظهرت المجلات العلمية المحكمة و حققت غايات الباحثين و أهدافهم و حمت حقوقهم الفكرية و حقوق النشر و منعت الاحتيال و التحايل في عمليات النشر للأبحاث المسروقة و المقتبسة بشكل غير مشروع.
تهتم الجامعات و مراكز البحوث و الدراسات العلمية بالنشر العلمي لنتائج دراستها و أبحاثها في وسائل النشر العلمي المحكمة و الموثوقة والتي تتبع المعايير العلمية التي تضمن حقوقهم و تحقق غاياتهم من مجلات علمية محكمة و كتب أعمال المؤتمرات و التي تعتبر حاليا شريان البحث العلمي و بيت الثقة الخاص بها.
كانت هذه المجلات والدوريات و وسائل النشر العلمي المحكمة الأخرى عبارة عن كتب أو أوراق بحثية مكتوبة و مطبوعة، يتم تداولها عن طريق نسخ مطبوعة لتصل إلى المهتمين بها و بقت كذلك الأمر مدة طويلة إلى أن أصبحت التكنولوجيا ملكة العصر و حاكمة كل منزل، فدخلت التكنولوجيا كوسيلة في عملية النشر العلمي عن طريق تقديم الدراسات التي تم نشرها في الدوريات على هيئة ملفات و وسائط يتم تناقلها و جاء الإنترنت ليسهل الأمر الأكثر حتى أصبحت لما هي عليه اليوم.
يقوم النشر العلمي اليوم على الطرق الإلكترونية عن طريق الإنترنت كما ذكرنا سابقا، و قد قدمت العديد من الجامعات و المراكز المختصة بالنشر العلمي تسهيلات لمرتاديها من الباحثين لنشر أبحاثهم بعد مراجعتها و تحكيمها و التأكد من صلاحيتها للنشر، وحددت للباحثين وقت محدد يناسب احتياجاتهم و يدعم غاياتهم، وهنا يكمن الاختلاف في التعريف بين مصطلح المجلة و الدورية العلمية.
فالمجلات العلمية تهتم بنشر مقالات أو أبحاث بهدف التعريف بظاهرة أو اكتشاف أو حدث جديد دون التوثيق له أو الاهتمام بالأسباب و الأهداف، وهدفها من كل ذلك تلبية احتياجات القراء و كسب أكبر عدد من المهتمين بها، و هذا النوع لا يفيد الباحثين العلمين الذين يهدفون للنشر العلمي لغايات أخرى، يتم إصدار هذه المجلات بشكل يوم أو شهري و أحياناً سنوي و لكن دون قيود عليها أو على استمراريتها.
بينما الدوريات العلمية هي التي تقوم بنشر الأبحاث و الدراسات بشكل منتظم خلال فترات محددة في السنة و غالبا هي دوريات علمية محكمة و يطلق عليها أيضا مجلات علمية، و هي مأوى الباحثين و الطلاب الأكاديميين الذين يهدفون للبحث عن دورية أو مجلة علمية لتوثيق أبحاثهم و دراساتهم.
و تعتبر عملية التحكيم في وسائل النشر المحكمة هي المفرق الجوهري في عملية النشر العلمي، وتتم عملية التحكيم عن طريق مجموعة من المختصين في مجال الدراسة و الذين مهمتهم دراسة و مراجعة البحث و التأكد من خلوه من الأخطاء و عدم احتوائه على دراسات مسروقة و قياس مدى أهمية البحث و جودته و أصالته و توافقه مع قواعد النشر العلمي، و على المحكمين التمتع بالأخلاق و السمعة الحسنة و عدم التمييز و أن يكونوا ذات خبرة و معرفة عالية، و تقوم الجهات المعنية بالنشر العلمي باختيار عدد من المحكمين في الاختصاص المقدم البحث به بحث لا يقل عددهم عن اثنان.
تزايدت عمليات النشر الإلكتروني في الآونة الأخيرة و أصبحت الاتجاه الأول للباحثين عن وسيلة آمنة و معروفة، ومع كثرتها و تصاعد أهميتها ازدادت عدد المنابر و الدوريات التي دعمت عملية النشر العلمي، و هذا دفعهم للتنافس و تحقيق الميزات التي تجذب الباحثين، فسعت العديد من المجلات العلمية المحكمة لنشر الأبحاث لتضمين نفسها في قواعد بيانات مفهرسة و معتمدة لزيادة قوتها و موثوقيتها و التعريف بنفسها من خلال عوامل القياس التي تدل على مدى شهرتها و ضخامة التعاملات معها، كذلك ظهرت العديد من المعاملات و المقاييس التي ساعدت المجلات العلمية المحكمة و وسائل النشر العلمي لإشهار نفسها و زيادة ظهورها إلكترونيا، بالإضافة إلى عمليات التسويق لهذه الدوريات.
تستمد هذه الدوريات قوتها من خلال عمليات النشر في فترات النشر المحددة، بالإضافة لقوة الأبحاث المقدمة و الاقتباسات منها و مدى كفاءتها و سرعتها و دقتها بالتحكيم و النشر، و كذلك تعتمد قوة المجلة على مدى تخصصها و نطاق النشر التي تقوم به و اللغات التي تنشر بها.
نتمنى أن نكون وفقنا في تقديم هذا المقال عن النشر العلمي.