الاستقراء في اللغة يعني قراءة مناحي و مؤثرات الشيء و دراسة الموضوع أو الشيء من كافة الجوانب و تحليل أسبابه و أشكاله و أهدافه ، لذلك نرى أن ميزة الاستقراء خلقت لأهل المنطق ، فالباحث أو المفكر و حتى المطلع على موضوع ما بنظرة استقرائية يعني القيام بدراسته بدءاً بالجزيئيات الصغيرة وصولا إلى الشكل العام معتمدا على ملاحظات و تفسيرات و تجارب .
و المنهج الاستقرائي متعمد بكثرة عند أهل المنطق مثلما ذكرنا ، بالإضافة لاعتماده في الدراسات المختلفة من قبل الباحثين في العلوم الإنسانية و الاجتماعية و أبحاث الطبيعة بشكل عام ، وتكمن أهمية المنهج الاستقرائي في نوعية و فعالية النتائج التي يخرج بها .
و يعرف المنهج الاستقرائي بأنه الركيزة الأساسية في أي عملية بحث علمي ، و هو منهج معتمد في صناعة و صياغة النظريات و البراهين في مختلف العلوم ، و القائم على طريقة جمع البيانات و الانتقال من الجزئية إلى العامة الشاملة .
فهو منهج قائم على توسيع المعرفة و الدراسة بالمعلومة و إظهارها بشكل عام مستنداً على الملاحظات و التجارب وصولا لحقيقة غير قابلة للتعديل و مصدق بها ، و هو منهج الباحثين و المفكرين في مختلف نواحي العلوم ، و العنصر المساعد في تعميم و صياغة النظريات و البراهين العلمية .
* أهمية المنهج الاستقرائي
* مع أهميات الاستقراء و المنهج الاستقرائي ، فهذه الأهميات تقوم على مجموعة من القواعد العامة و التي تعكس الفائدة منها :
- قدرتها على التعريف بالظاهرة أو الحدث و تفاصيله وصولاً لمسببات الظاهرة الرئيسية .
- الباحث في مجال محدد لديه خبرة في هذا المجال فقط , و قد يكون غير مطلع على باقي المجالات و الاختصاصات و هذا ما تفيد به عملية الاستقراء .
- يعتبر المنهج الاستقرائي أفضل مناهج البحث العلمي و الأكثر تماشيا مع الأبحاث الاجتماعية , و طرقته و أسلوبه هي التي تساعد الباحثين على الملاحظة و التفسير و التحليل و ما ينعكس عنه من مهارات أخرى لدى الباحثين .
- المنهج الاستقرائي فرصة تشاركية للعلاقات بين الباحثين من طلاب و أكاديميين و مفكرين , و الاستفادة من الخبرات .
- يضمن استخدام المنهج الاستقرائي الخروج ببحث متميز و تعزيز ثقة الباحث بنفسه .
* المراحل المتبعة في المنهج الاستقرائي
كون المنهج الاستقرائي أساسي في أي عملية بحث علمي فقد كان لابد من دراسته و وضع خطة عمل يتبعها المهتمين بالبحث و النشر العلمي أثناء استخدام هذا المنهج ، و ذلك لضمان جودة الدراسة و العمليات البحثية ، و هذه المراحل تتبع لمنهجية تسلسلية في الدراسة و التي سنتعرف عليها في هذه السطور .
- المرحلة الأولى الملاحظة : و فيها على الباحث الاطلاع على الموضوع المراد البحث فيه و ملاحظة جوانبه كافة ، و معرفة سيئاته و ميزاته و مدى تأثيرها على الواقع المحيط ، و يعمل الباحث على جمع هذه البيانات و المعطيات حول موضوع الدراسة و تحليلها بشكل دقيق و تجزئتها لقراءتها بشكل منفرد و إدراك جوانب المعرفة ككل بموضوع البحث .
و هذه الملاحظة قد تكون عفوية أو مدروسة و في كلا الحالتين تعتبر مطلوبة في العمليات البحثية .
الملاحظة العفوية : و هي التي تأتي لذهن الباحث نتيجة التأمل بالدراسة و ملاحظتها بتأثير العوامل التحليلية و الإحصائية دون قصد الوصول إليها ، أما الملاحظات المدروسة و هي التي توصل لها الباحث من خلال دراسته بوضع الفرضيات و تطبيق النظريات المتعلقة بالموضوع و التنبؤ بظهور النتائج الأولية و الملاحظات المعروفة نتيجة التطبيقات العلمية السابقة و التي قامت الدراسة على أساسها ، والمهم في الملاحظة هو الوصول إلى المعلومة التي على أساس سيتم اتباع المنهج العلمي .
- المرحلة الثانية هي الفرضيات :
و فيها مركز المنهج الاستقرائي ، حيث يعتمد الباحث من خلالها على تحديد فرضيات حول الدراسة و الأسباب التي أدت لحدوثها و تأثيرات النتائج المترتبة على تطبيقها ، و يعتمد البحث القائم على المنهج الاستقرائي على وضع عدة فرضيات و تحليل نتائجها الأولية و موازنتها و مقارنتها بغية توقع أفضل النتائج الممكنة لكل منها لاعتمادها كفرضية لعملية البحث العلمي المقام على أساس المنهج الاستقرائي .
- المرحلة الثالثة التجربة :
مرحلة التجربة أو التطبيق الأولي يتم فيها تطبيق النتائج المنبثقة من الفرضيات و أثرها على الملاحظات ، واختيار افضلها لاعتمادها كاستنتاج لعملية البحث العلمي القائمة ، و التجربة هي التي يتحدد من خلالها إذا ما كان اختيار المنهج الاستقرائي مناسب و مدى سير العمليات البحثية وفقا له .
و يقوم المنهج الاستقرائي على نوعين هامين و أساسيين، المنهج الاستقرائي الكامل و المنهج الاستقرائي الناقص .
- الاستقراء الكامل:
يقوم هذا النوع من الاستقراء على معرفة جيدة بالظاهرة و الاطلاع عليها بشكل مفصل و مسبباتها و من خلالها يتم الحكم عليها و تقديم التقرير النهائي ، و في هذا المنهج الاستقرائي تتم العمليات ببطء لذلك تعتبر هذه أحد مساوئه ، فهو يشمل الخطوات بكامل جوانبها من الملاحظة إلى التحليل و وضع الفرضيات إلى تطبيقها و الخروج بالنتائج .
* و في هذا النوع من المنهج الاستقرائي يضع الباحث يده على كامل الدراسة و يضمن صحة نتائجه و إمكانية تعميمها و إثباتها و الاعتماد عليها في الدراسات اللاحقة، و تحول هذه النتائج إلى مبرهنات يعتمد على :
- أن تكون هذه النتائج التي تم التوصل لها متعلقة بموضوع الدراسة و العنوان الذي يدور حوله البحث و متصلة بشكل أو بآخر بالظاهرة.
- أن تكون النتيجة غير مسبق التوصل إليها و أهمية مضمونها في مواضيع كثيرة، و أن يكون المضمون صحيحا.
- نطاق الانتشار و هذا لا يعني النطاق الجغرافي و إنما مدى انتشار الموضوع النتعلق بالدراسة أو المشكلة، وتعدد الابعاد التي يتمحور حولها.
المنهج الاستقرائي الناقص : و يمكن تسميته بالاستقراء الجزئي و ذلك بسبب اعتماده على دراسة جزء من البحث و تحليله بشكل كامل من خلال ملاحظة أساسيات هذه الدراسة الجزئية و وضع فرضياتها و نتائجها و تعميمها على باقي أجزاء البحث .
و من خلال هذه النتائج للجزئيات يتم تقييم البحث و يعمد الباحث على تعميم النتائج وفقا لأمثلة توضيحية تابعة لعملية المنهج الاستقراء الناقص ، و لكن سلبيته بعدم الاكتفاء من نتائجها للاستعانة بها في الدراسات الأخرى ، فهي تعتبر غير كفوء في العمليات البحثية الاعتبارية .
في النهاية يجب القول , على الباحث التعرف على مناهج البحث المتبعة في الدراسات و التي تتعدد و تتنوع من المنهج الوصفي و التحليلي و المنهج التاريخي و الاستقرائي و غيرها من المناهج سواء كانت متخصصة أو متداخلة , و معرفة الأفضل بينها و اتباعه .