نهضة المجتمعات تقوم على أساس الأبحاث العلمية المقدمة و درجة تقدمها تقاس بالأبحاث التي يتم نشرها و التي هي دليل على مستوى الفكر و الإبداع في عقلية الباحثين ، لذلك كان الاهتمام في النشر العلمي موضوع المراكز البحثية و الجامعات التي شجعت باحثيها على زيادة أعمالهم البحثية و هيئت الفرص و سهلت الأمر عليهم .
فموضوع النشر العلمي ليس بالأمر السهل و يتبع لعدد من القواعد و الأساسيات التي يجب اتباعها ، بالإضافة إلى تجنب النشر في وسائل غير موثوقة تضيع تعب الباحثين , و في ظل كل هذا الاهتمام ظهرت العديد من الصعوبات التي أعاقت عملية النشر العلمي ، و في هذا المقال سنتناول معوقات النشر في الواقع العربي .
عملية النشر العلمي تتطلب توافر عدد من المعايير التي تحقق جودة هذه العملية، و عدم توافرها يزيد على عاتق الباحث العلمي بعض الصعوبات و منها يمكن ذكر طرق التوثيق و جودة عمليات الاستشهاد و الاقتباس، كذلك عدم وضع قواعد ثابتة للأبحاث المكتوبة ليتم الاعتماد عليها و عدم توافق معايير التحكيم أو غيابها في بعض الأحيان يعتبر صعوبة كبيرة .
أما فيما يتعلق بتمسك الباحث و التزامه بقواعد النشر العلمي التي تضعها وسائل النشر المعروفة مثل المجلات العلمية المحكمة و التي تضع قواعد متشابهة غالباً , و لكن مع وجود بعض الاختلاف حسب كل مجلة ، فهدف هذه القواعد هو تحقيق الجودة للأبحاث المنشورة في المجلة .
من ناحية أخرى فإن التخاذل و عدم الالتزام بأخلاقيات التحكيم و جودته له أثر على الأوراق والدراسات العلمية المنشورة ، و هذا يقلل من شأنها و شأن وسائل النشر العلمي .
عدم الإلمام بالوسائل التكنولوجية الحديثة و طرق التعامل مع التقنيات المتطورة من قبل بعض الباحثين ، مما قد يبعدهم عن معرفة و دراسة الأبحاث المنشورة الحديثة , و بالتالي الاستشهاد بدراسات قديمة و فرضيات بالية ، و هذا يؤثر بشكل جوهري على جودة الأبحاث المقدمة و عملية النشر العلمي ، و موضوع التكنولوجيا يجب الإيمان به خاصة بالنسبة لأولئك الذين مازالوا يفضلون استخدام الطرق التقليدية في البحث و الدراسة و أدوات التحليل الإحصائي ، و التعرف على آخر ما توصل له العلم في مجال الدراسة و الاختصاص .
يعد موضوع نطاق النشر و المدى الجغرافي الذي تحققه هذه الوسيلة لنشر الدراسات مهم بالنسبة للكثير من الباحثين المهتمين بإشهار أنفسهم و أبحاثهم على نطاق واسع ، إلا أن عدم توافر جهة نشر دولي أو ارتفاع تكاليف النشر فيها يعتبر عائق أمام هؤلاء الباحثين ، وهذا العائق يرتبط بعامل آخر أيضا و هو عامل اللغة ، فالنشر على نطاق دولي يتطلب كتابة بحث بأكثر من لغة مما يعوق الباحث الغير مختص أو خبير في هذه اللغة و هذا يقوده للجوء إلى مترجمين مختصين يحققون غاياته في الترجمة و الحفاظ على سلامة اللغة و بذلك يترتب على الباحث تكاليف إضافية قد لا يكون قادر على تحملها .
إن تكاليف النشر تعتبر كبيرة بالنسبة للباحثين و خاصة من الطلاب و الأكاديميين ، لذلك تلجأ المراكز العلمية لتمويلهم عادةً لتغطية تكاليف النشر، إلا أن ضعف التمويل يقف أيضا عائق في وجه البحث و النشر العلمي ، وهذا الشيء واضح بشدة في واقعنا العربي مقارنة مع الدعم المقدم للباحثين في الدول الكبرى في أوربا و أمريكا , و التي وصلت لما هي عليه الآن بسبب اهتمامها بالباحثين و تطوير أفق البحث العلمي ، فالتخاذل في موضوع البحث العلمي يقع على عاتق الفساد و تواطئ المسؤوليات العلمية ضمن الأنظمة السياسية الفاسدة .
و كان لهذه الأنظمة أثر سلبي على الواقع العلمي و الذي دفع المفكرين و الباحثين للهروب من أوطانهم و بالتالي تدني في مستوا الأبحاث المنشورة و عددها .
يوجد العديد من الأمور التي يجب على الباحث اتباعها في عمليات البحث و النشر العلمي لضمان جودة لا متناهية في الأوراق البحثية ، و على الهيئات العلمية و مراكز البحوث توفيرها و تقديم الدعم للباحثين للاستمرار في العملية البحثية ، و التي كما هو ملاحظ تراجعها الكبير في الآونة الأخيرة في ظل التقلبات السياسية و عدم الإحساس لدى المسؤولين بالأهمية التي تجنيها على كافة الأصعدة في المجتمع .
* من هذه الأمور نذكر :
اختبار الباحث وسيلة نشر موثوقة و ضمان نشر بحثه دون قيود أو عوائق و دعم قطاع النشر مثل المجلات العلمية المحكمة , و التي تتنوع و تختلف كثيرا فيما بينها لتلبي كافة التطلعات و تعطي للباحث حرية الاختيار حسب أهدافه ، فالبعض يهدف لتوسيع شهرته عن طريق النشر دوليا و بالتالي توافر المجلات العلمية المحكمة الدولية أو المساعدة في التواصل مع مجلات دولية لنشر الدراسات ، كذلك موضوع الاختصاصيعتبر مهم للباحثين ، فالنشر في مجلات مختصة في مجال دراسة واحد له الأهمية الأكبر مقارنة مع المجلات متعددة الاختصاصات .
من ناحية ثانية فإن النشر الدولي يتطلب التعامل مع لغات أخرى للنشر مثل كتابة البحث باللغة الإنجليزية و الحفاظ على جودة المعنى و السلامة اللغوية .
يعتبر موضوع توثيق الأبحاث من المعوقات التي تواجه عملية النشر العلمي في الواقع العربي ، و إيمان الباحثين بأهمية هذا الجانب خرجت الدعوات لضرورة التوثيق و التعامل مع برامجو أنظمة توثيق معتبرة .
كذلك على سبيل القطاعات التعليمية و الخدمية فإن البيروقراطية و التعقيدات الروتينية و المشاكل التنظيمية تقف في وجه عملية البحث ، و لا يلقى موضوع النشر العلمي أهمية كبيرة في الجامعات العربية ، والواقع يؤكد أن مراكز النشر الجامعية يصطدم بمعوقات إدارية تحد من قدرتها على المنافسة و التطوير .
كذلك غياب الإرادة عند صانعي القرار و الخوف من المثقفين على فضح الأنظمة و السياسات و التي تضر بمصالح شخصية كبيرة فضلوها على حساب نهضة العلم و البحث العلمي , و هذا دعا إلى الرقابة على الإنتاج الفكري و خاصة في الأنظمة الديكتاتورية و التي تعتبر الانفتاح و تطور العقلية يتعارض مع مصالحها ، فمثلا القيود التي تفرض على المطبوعات و وسائل النشر لا تتناسب مع العصر الذي نعيشه الآن في ظل هذا الانفتاح و العولمة تقنيات الإعلام والاتصال , فغياب الحرية لأسباب سياسية واجتماعية والابتعاد عن الموضوعية في الأبحاث حرمت الباحثين من عرض بعض النتائج التي قد تكون سبب في قلبة نوعية في المجتمع .
نتمنى أن نكون قد وفقنا في تقديم هذا المقال عن معوقات النشر في الواقع العربي .