على الرغم من كل التطور الذي يشهده العلم و ظهور الوسائل التكنولوجية المتطورة و سبل التواصل إلا أن النشر في مجلة علمية لا يزال المنبر الأول للنشر العلمي الموثوق و الذي يحفظ الحقوق و يلبي الطموحات، هذا النشر الذي توالت عليه سنين من التخبطات و التي كادت أن تودي بالبحث العلمي للضياع لولا ظهور و قيام هذه الوسائل التي ضمنت حقوق الباحثين و ساهمت في دعم حركة النشاط العلمي.
فعملية النشر في مجلة علمية محكمة جاءت بعد ظهور و انتشار الكثير من وسائل النشر التي ادعت الغاية العلمية و خدمة المجتمع في حين كان هدفها تقديم محتوى لتحقيق مكاسب مادية دون الاهتمام بموضوع البحث أو مدى أهميته للنشر ، هذا الذي أضاع مجهود هؤلاء الباحثين و جعل غيرهم يتمهل و يتردد في نشر دراسته و توالت الأمور بعدها إلى أن قامت بعض المراكز العلمية و المؤسسات مثل الجامعات و مكاتب البحث العلمي بإصدار مجلة علمية خاصة بها لنشر دراسات الطلاب و الأكاديميين و العاملين فيها و حماية حقوقهم و دعمهم للاستمرار بعمليات البحث و تقديم الأفضل للمجتمع ، و كانت لهذه المجلات الدور الملحوظ في عودة النشاط العلمي و دفع العجلة للأمام ، و كان لهذه المراكز العلمية الفضل في تشجيع غيرها على إصدار مجلات علمية محكمة أيضا و تحكيم و توثيق الأبحاث المقدمة للنشر فيها و حمايتها من عمليات الانتحال من قبل ضعيفي النفوس و الذي يتقدموا بنية النشر العلمي على حساب مجهود الغير .
و لتشجيع ذلك أيضا انطلقت بعض المراكز التي يشهد لها بهذا الدعم لإقامة قواعد بيانات خاصة بكل مجلة علمية تتقدم إليها لتضمين نفسها فكان مثلا اعتماد isi و كل مجلة علمية اعتماد isiمقصد للباحثين كذلك كان اعتماد سكوبس "scopus" ملجأ فيما بعد لهؤلاء الباحثين .
وضعت هذه الاعتمادات و غيرها الكثير مثل google scolar و الرقم التسلسلي المعياري و CEATIVE COMMONS و Citefactor.
ثقة للباحثين من جديد و عاد النشر في المجلات العلمية يأخذ مجده من جديد و ظهرت مجلات بأعداد أكبر و ميزات أفضل يوم بعد يوم و خلقت جوا للتنافس بين هذه المجلات ليس على صعيد المكاسب و إنما على الصعد العلمية , و أقحمت نفسها في الاعتمادات و قدمت تسهيلات كثيرة للباحثين و بقي موضوع الموثوقية على قائمة الأولويات لهذه المجلات و أصبح لكل اختصاص مجلة خاصة تنشر مواضيعه و دراساته ، و كان للأنترنت و تقنيات التواصل الحديثة أثر لا يمكن نكرانه أو التقليل من شأنه في مساعدة هؤلاء المهتمين بالنشر في مجلة علمية، حيث أصبحت لهذه المجلات المحكمة لنشر البحوث موقع إلكتروني يمكن من خلاله التواصل بين المجلة و الباحثين و مساعدتهم و الرد على استفساراتهم و حتى عمليات المراسلة للأبحاث لتخفيف الضغط عنهم و تسهيل النشر في المجلات ذات المراكز البعيدة مثل المجلات العلمية المحكمة الدولية .
كان لدورة حياة النشر في مجلة علمية أثر على الباحث كما تحدثنا سابقا من حيث الثقة و ضعف العمليات البحثية و قصور في النشاط العلمي و على المجتمع في خمول في حركة التطور و مستجدات الساحة العلمية و التقدم للمجتمع و على القارئ أو الباحث و المهتم بالتعرف على كل ما هو جديد و الدراسات الحديثة المنشورة على مستوى العالم و ليس النطاق المحلي فقط.
و مجلة علمية محكمة هي دوريات منتظمة تنشر الدراسات المقدمة إليها خلال مواعيد معينة في التقويم السنوي فقد تكون بهدف تغطية أبحاث الطلاب في نهاية السنة , و هي التي تنشر مرة واحدة في السنة أو مرتين بشكل فصلي، في المقابل قد تكون مجلة علمية محكمة ربعية و هي التي تنشر الأوراق البحثية كل ثلاث شهور و المجلات الشهرية ، و هذه المجلات تمتاز بسمة التحكيم و التي تفتقر إليها غيرها من المجلات التي تهدف إلى الترفيه أو التثقيف و التسلية أو نقل الأخبار و الأحداث و الدراسات التي قد لا تكون موثوقة أو حقيقية .
و يعد موضوع اختيار مجلة علمية مناسبة للنشر فيها من المواضيع الحساسة و الهامة و التي تحتاج للعناء أحيانا من قبل بعض الباحثين ، فالباحث يريد من بحثه أن يصل إلى المكانة التي يصبو إليها , و أن يقدم من خلاله المنفعة التي تصل للمهتمين بأسهل و أفضل الطرق ، و في حال كان الدافع هو النشر الأكاديمي فقد تكون المتطلبات أكثر دقة ، و من أهم العوامل التي يجب التركيز عليها عند الاختيار المناسب لمجلة علمية :
- التوثيق و المصداقية : طبعا هي الميزة الأولى في أي مجلة علمية و التي يبحث عنها المتقدم للنشر العلمي حتى لا يضيع تعبه و يذهب بحثه إلى المجهول أو يتم انتحاله من قبل الآخرين دون وجود رادع لهم مثل الحقوق التي تضمنها أفضا المجلات العلمية لنشر البحوث العلمية ، و ميزة التحكيم هذه تتم من خلال مراجعة أعضاء لجنة التحكيم للبحث المقدم و تدقيقه من الأخطاء و التأكد من أصالته و قابليته للنشر العلمي و بالتالي سيغدو البحث باسم الباحث و محمي من قبل المجلة و لا يمكن نشره في أي مجلة علمية أخرى ، و لجنة التحكيم هذه يجب أن تكون مؤلفة من محكمين اثنين على الأقل و أن يكونوا من المختصين في مجال البحث و يتمتعون بالسمات الأكاديمية و التاريخ في عمليات تدقيق الأبحاث.
- الاعتمادات و التصنيف : ذكرنا سابقا أهمية هذه النقطة في المجلات العلمية المحكمة لنشر البحوث و لكن اختيار مجلة علمية تصنيف isiأو سكوبس سيوفر الكثير على الباحث المتقدم للنشر في مجلة موثوقة ، فهذه الاعتمادات لا تتم بشكل عشوائي و إنما تعتمد على مجموعة من المعايير و المواصفات التي يجب توفرها في أي مجلة علمية تتقدم لتضمين نفسها فيها ، و هذه الاعتمادات يجب أن تكون من النقاط الأولى التي يلتفت إليها الباحث عند البحث عن مجلة علمية مناسبة لدراسته ، و هذه الاعتمادات مترافقة مع مقاييس خاصة بها تبرزها المجلة في واجهة موقعها الإلكتروني للدلالة على جدارتها ، فمثلا مجلة علمية تصنيف isi يعني لها معامل قياس يسمى معامل التأثير و الذي يتم قياسه اعتمادا على نسبة الاقتباس من المجلة و بالتالي يدل على مدى قوتها، و في واقعنا العربي الكثير من المجلات العلمية ذات اعتمادات كبيرة مثل الكثير من المجلات العلمية المحكمة في السعودية و دول الخليج .
- نطاق النشر يعتبر عامل مهم بالنسبة للباحثين و هي خيار الباحث و حاجته أو حاجة مسعاه من هذه الدراسة إن كانت لتحقيق منفعة شخصية , و يحتاج لإشهار أسمه بشكل عالمي فهو يبحث بالتأكيد عن مجلة علمية دولية أو كانت الغاية للنشر لتحقيق متطلبات مركز بحثي أو مؤسسة علمية , فهو لا يركز كثيرا على نطاق انتشار بحثه ، و سيكتفي بالنشر المحلي ، مع العلم طبعا أن النشر الدولي سيؤثر بشكل إيجابي على هذه المؤسسات مقارنة مع النشر المحلي.
- لغة المجلة كذلك تعتبر مهمة للباحث و مرتبطة بنطاق النشر بالتأكيد، فالمجلات العلمية المحلية ليست بحاجة للنشر بلغة ثانية فهي مهتمة بمواضيع قد تكون غالبا ذات تأثير على هذا المجتمع دون غيره، أما المجلات العلمية المحكمة العالمية فهي تفرض على الباحثين في أغلب الأحوال النشر بأكثر من لغة و اللغة الإنجليزية هي اللغة الأساسية بالنسبة لهذه لأي مجلة علمية دولية فهي لغة التواصل العالمية.
- التكلفة : من الأمور المهمة التي تلتف حولها الكثير من الخيارات من مجال نشر المجلة و الاعتمادات و التي تزيد من تكلفة النشر على الباحث، لذلك على المقدم للنشر في مجلة علمية معرفة تكاليفها قبل البدء بالمراسلة أو إرسال الملف للتحكيم، حيث تقسم التكاليف إلى تكاليف عملية التحكيم و تكاليف النشر و هي غالبا تكون لتغطية النفقات و مصاريف المجلة و رسوم الاعتمادات.
- استمرارية النشر أيضا لها أهمية في اختيار مجلة علمية تضمن بقاء البحث نشط، و على هذا الباحث التعرف على تاريخ المجلة و الإصدارات و ما إذا كان يوجد انقطاعات في عمليات النشر أم لا و ذلك للاطمئنان على مستقبل البحث الذي سينشره.
- مدة النشر تختلف من مجلة إلى و قد يكون الباحث بحاجة للنشر السريع في مجلة علمية لاستدراك الوقت المحدد لبعض العمليات البحثية أو تقديم الدراسات ، و مدة النشر هذه تتعلق بالمرتبة الأولى بعملية التحكيم و التي تأخذ وقت من أسبوع إلى ثلاث أسابيع بشكل وسطي و بعض المجلات تأخذ مدة تصل إلى شهور.