على عكس العديد من مناهج البحث العلمي المعروفة , فإن المنهج التجريبي هو منهج علمي تطبيقي بحت اذا صح التعبير قائم على التجربة و المحاولة و التلاعب بالثوابت و المتغيرات لاكتشاف أسباب الظاهرة أو المشكة و جمع بياناتها و تحليل تبعياتها و قياس معدلات التشابه و الاختلاف و تأثير كل منها ، فمن خلال دراسة الثوابت و أثر التلاعب بالمتغيرات عليها و على الظاهرة و العينات المدروسة يمكن تحديد الأسباب الحقيقة وراء حدوثها , و هذا الشيء هو طريق الوصول إلى الحل الأمثل لها .
من الممكن الاستفادة من الدراسات المعتمدة على المنهج الوصفي في تحديد الشكل العام للظاهرة و دراسة أبعادها و الحصول بالتالي على نتائج قريبة من المطلوب , باستخدام المنهج التحليلي يمكن ملاحظة أسباب بعض الظواهر و تفسيرها بغية حلها و كذلك استخدام المنهج المقارن للوصول إلى نتيجة من المقارنات و دراسة عواقبها و أهمياتها و إجراء نقد بناء عليها , و كذلك فيما يخص المنهج الاستقرائي في بعض الدراسات و الذي له دور في حل مشكلاتها , و كل من هذه المناهج السابقة يعتمد على أساس نظري من ملاحظة و دراسات سابقة و معرفة بالاختصاص أو جمع المعلومات عن طريق الاستبيان و المقابلة و غيرها من الأساليب التي تقام على أساس معايير ثابتة يتم دراستها دون إحداث تغيير فيها أو في مسبباتها ، أما في المنهج التجريبي فالمتغيرات هي أساس الدراسة و التي بها يتم تحديد النتائج و طرح الحلول .
* مراحل و آلية المنهج التجريبي :
في المنهج التجريبي تعد التجربة هي الأساس الذي يرتكز عليه البحث العلمي و الآلية التي ستسوق بها الدراسة منذ البداية و حتى تحقيق المطلوب , و تجري مراحل الدراسة و فق الآتي :
- تحديد المشكلة أو الظاهرة
و هذا يعود للباحث الذي سيقوم بالدراسة و لنوع المادة البحثية و حاجته إليها ، و هذه الظاهرة يجب أن تكون ذات أبعاد عديدة و تتبع لمتغيرات و ثوابت و التي على أساس تقوم الدراسة .
- التجربة
و تعتبر أول مراحل المنهج التجريبي إذا ما اعتبرنا أن تحديد المشكلة من المنهجية البحثية و ليست من مناهج البحث ، و التجربة هي مجموع الإجراءات المنظمة و المتسلسلة و التي من خلالها يتعرف الباحث على المسببات للسيطرة على الظاهرة , و وضع فرضيات من شأنها التأثير على المتغيرات و تحقيق النتائج الظاهرة عند تطبيق كل متغير و دراسة هذه النتائج و إثبات الصحيح و نفي الخاطئ و تقديم الانتقادات ، و هذه العمليات تتطلب كم عالي من المعرفة و الخبرة لدى الباحث و تحديد المتغيرات و أثرها .
- مرحلة التنفيذ
بعد تحديد العوامل المتغيرة و الثوابت تأتي عملية التنفيذ و التي يتم فيها تطبيق المتغيرات على الظاهرة و دراسة التغيرات و النتائج المتسلسلة و مدى التباين بينها و بين المتغيرات التابعية الأخرى ، و هذه النتائج يجب مراقبتها لاختيار الأفضل من حيث التأثير على الظاهرة و إخراجها بشكل دقيق و موثوق , فقد تصبح هذه النتائج براهين يعتمد عليها الغير أو قد تعتبر اكتشافات في المستقبل حسب نوع و طبيعة الدراسة و حداثتها .
يعتمد المنهج التجريبي بشكل رئيسي على العينات في الدراسة أو التجربة باعتبارها عنصر غير ثابت أو عامل في تحديد أثر التقلبات , و دراسة تأثير متغيرات الظاهرة عليهم ، وقد تكون هذه العينة فرداً أو مجموعة أفراد بشرية أو مجتمعات أو ظواهر طبيعية أو غير ذلك ، تسمى هذه العملية بأسلوب الاختيار التجريبي و الذي يرتبط بعوامل و يعمل بتسلسل معين .
فقد يختار الباحث مجموعة واحدة و يدرس الظاهرة و يقيمها على أساسها , و يقيس انعكاس النتائج عليها و درجة تأثرها بالمتغيرات و ذلك على اعتبار تكافئ و تماثل خصائص هذه المجموعة ، و في حال اختيار مجموعتين متماثلتين في الخواص الديمغرافية و المهارات و الخبرات و المستويات فإنه يقوم بالدراسة عليهما بشكل منفصل و متغيرات مختلفة أو يتم دراسة مجموعة واحدة و تطبيق التجارب و تأثير المتغيرات عليها و مقارنتها مع المجموعة الثانية الثابتة البعد ، و من معرفة الاختلاف يمكن تحديد أصل المشكلة و معالجتها و اقتراح الحلول لها .
و يتبع اختيار و تقسيم هاتين المجموعتين للعديد من العوامل حسب متطلبات الدراسة و يتم اختيارها بعدة طرق كأن يتم اختيار أفراد المجموعات بشكل عشوائي بدون تمييز حفاظاً على جودة النتائج و بعيدا عن ارتكاب الأخطاء الناتجة عن الاختيار المعتمد على خصائص مميزة بين أفراد المجموعات ، و قد لا يكون هذا التمييز سبب في خطأ و تكون الغاية منه مقصودة في نوع آخر معتمد على التناسب من خلال دراسات الصفات المهمة و الخصائص المتشابهة في عينة البحث هذه و بالتالي تحقيق المساواة بين مجموعتي القياس و التجريب .
يوجد نوع آخر من الاختيار معتمد على تقسيم المجموعتين على أساس النخبة و دراسة المتغيرات على كل منها و أثر النتائج على كل مستوى .
* ميزات و سلبيات المنهج التجريبي
مثل أي دراسة أو منهج بحثي آخر فإن المنهج التجريبي له ميزات و أهميات كبيرة على نتائج البحث بالإضافة إلى سيئات تقاس على حسب نوعية البحث و الاختصاص و النتائج و المتغيرات و من أهم هذه الميزات :
- الحصول على نتائج حقيقية و دقيقة من خلال التجارب المحدثة في المنهج التجريبي و إمكانية تطبيقها وتعميمها .
- عملية تطبيق المتغيرات على العينة المدروسة تعود بنتائج موثوقة قابلة للنشر و التعميم .
- التحكم بالمتغيرات الخارجية وأثرها على متغيرات و ثوابت العينة .
- إمكانية الدراسة وفق المنهج التجريبي لعدد كبير من الاختصاصات , و إمكانية تداخله مع مناهج بحث أخرى .
* مساوئ المنهج التجريبي
- المنهج التجريبي غير فعال مع بعض المشاكل البحثية المتعلقة بعلوم طبيعية مثل العلوم الاجتماعية و الإنسانية و العاملة ببعض المشاكل البحثية المتعلقة بالعادات و الثقافات مثلاً .
- يعتبر أسلوب المنهج التجريبي صعب في بعض المشكلات المتعلقة بالعلوم قليلة المتغيرات أو الثابتة .
- المنهج التجريبي دقيق في النتائج و لكن هذه الدقة بالنسبة لعلوم على حساب أخرى .
- صعوبة التعرف على المتغيرات في بعض الأبحاث و التي تعتبر أساس الدراسة في بعض المشاكل البحثية .
- صعوبة اختيار عينات الدراسة أو مجموعات الاختيار و التجربة .