المنهج الاستقرائي هو تصور و رؤية للوقائع و الحقائق الموجودة و قراءة للمجريات المتغيرة في حياتنا اليومية أو أحد جوانب المجتمع للتعبير عن ظاهرة أو حدث أو حتى التعريف بثقافة و حضارة ، فالمنهج الاستقرائي هو التفكير المنطقي القائم على التجربة و اليقين بها ، أي الإدراك بشكل منفصل عن التحليلي العقلي ، و يقوم المنهج الاستقرائي في الأبحاث العلمية على ملاحظة الحدث أو الظاهرة و جمع أكبر عدد من البيانات المرتبطة بها للحصول على نتائج و علاقات قد تعتبر مبدأ أو قانون .
تم اعتماد المنهج الاستقرائي منذ القدم في الدراسات البحثية و مازال مستمر و ممتد للدراسات الحديثة في الدراسات الاجتماعية و الإنسانية , و ما يرتبط بها من علوم قادت إلى تقدم الحضارات و الأمم.
يتميز المنهج الاستقرائي بين مناهج البحث العلمي بشكل عام و عن المنهج الاستنباطي بشكل خاص بالانتقال من الجزئيات و العمليات الصغيرة الخاصة إلى الكليات و العموميات ، ابتداء من ملاحظة المشكلة التي يعمل عليها الباحث و الجزئيات المرتبطة بها وصولا إلى قانون أو نتيجة يمكن تعميمها للمجتمع، شاملا و مرتكزا في عمليته البحثية على الاستنتاجات العائدة من الملاحظة و التجربة .
* يقسم الباحثون المنهج الاستقرائي بشكل عام إلى قسمين، أو نوعين :
- المنهج الاستقرائي الكامل :
يعتمد الباحث من خلال هذا النوع على مبدأ الكل ، من خلال ملاحظة و تحديد جميع جزئيات المشكلة و المفردات المرتبطة بها للوصول إلى نتيجة نهائية دقيقة ، و البعض يرى هذا غير عملي في الدراسات لمتطلبات الدراسة الكبيرة في ملاحظة جميع حيثيات الظاهرة .
- المنهج الاستقرائي الناقص :
قد لا يعطي نتائج دقيقة كما في الاستقراء الكامل إلا أن يحقق غايات مرضية ، حيث يقوم الباحث أو مقدم الدراسة بالبحث في بعض الجزئيات للظاهرة و تعميم النتائج على باقي الوقائع ، و بالتالي الوصول إلى وقائع مجهولة في بعض الأحيان ، فبعض الظواهر لا يمكن دراستها مباشرة أو من خلال ملاحظة و دراسة جميع المؤثرات ، و هذا النوع قدم فائدة كبيرة في تشكيل و بناء الحضارات من حولنا .
الكثير من الباحثين و العلماء المختصين في مناهج البحث العلمي يرون وجود رابط بين المنهج الاستقرائي و المنهج الاستنباطي ، مع الملاحظة للعملية العكسية فيه ، فالمنهج الاستنباطي ينتقل عكس الاستقرائي من الكل إلى الجزء ، فهو يستند إلى نظريات موضوعة و موثق بها يقوم على تركيب مقدمتين و نتيجة ، و هذه النتيجة هي ترابط بين المقدمة الأولى التي تعتبر مبدأ مسلم به ، و المقدمة الثانية هي الظاهرة .
و المنهج الاستقرائي هو التتبع و ملاحقة أمر ما و الحكم على جزيئاته بشكل كلي للوصول لنتيجة مرجوة ، و يعتبر من المناهج المشتركة مع مناهج البحث العلمي الأخرى و التي يعتمدها بكثرة الباحثين في العلوم الإنسانية و الطبيعية.
يعتبر المنهج الاستقرائي من المناهج المشتركة بين العلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية , وإن كان في الغالب يوظف في مجال دراسة العلوم الطبيعي من خلال ملاحظة المكونات الجزئية بشكل علمي و واقعي ، و نتيجته تعبر عن القانون الكلي أو العام الذي تقع تحته باقي الجزئيات .
* الفائدة المحققة من اتباع المنهج الاستقرائي
كأي منهج آخر يقوم المنهج الاستقرائي على دراسة الظاهرة بطريقته التي يقنع الباحث بها ، و يقدم مجموعة من الفوائد للباحث و للدراسة التي يقوم بها، و التي تعتبر أهميات للمنهج الاستقرائي و من أهمها :
- ملاحظة أبعاد الظاهرة و قراءتها من منظور علمي و تعريف جزئياته و الانطلاق نحو تحصيل نتائج مبهرة من البحث القائم على المنهج الاستقرائي.
- اتباع الباحث للمنهج الاستقرائي ينمي لديه المعرفة و تزيد المهارات من خلال الأسلوب و الطريقة التي يعمل بها، و عليه يعتبر من أهم و أفضل مناهج البحث العلمي و التي تساعد في تعزيز مهارات الملاحظة لدى الباحث و قدرته على التحليل و التفسير .
- الاستقراء مفيد بالنسبة للباحثين المهتمين في تقديم دراسة خارج مجال اختصاصهم أو مرتبطة بمجال بعيد عن الاختصاص الذي يعملون به.
- على اعتبار تميز المنهج الاستقرائي في تقديم نتائج دقيقة فهو يعتبر من أفضل المناهج التي تقود للخروج ببحث متميز يزيد من رصيد الباحث العلمي و يعزز ثقته بنفسه .
* مراحل و خطوات المنهج الاستقرائي
يعتبر بعض الباحثين هذا المنهج أساسي في معظم العمليات البحثية حتى لو كان منهج مشترك و ليس أساسي لتقديمة الملاحظات و قراءة واقع الظاهرة ، لذلك و لتسهيل العمل البحثي على أساس هذا المنهج تم وضع مجموعة من الخطوات التي تضمن للباحث الملتزم بها بحث ذات صفة إبداعية ، و هذه المراحل يمكن تلخيصها بالآتي :
- الملاحظة
في هذه المرحلة يقوم الباحث بملاحظة الجوانب المحيطة بموضوع الدراسة و المؤثرات المتعلقة بالقضية من خلال الاطلاع على الظاهرة و أبعادها و أسباب حدوثها أو وجودها و الجوانب الإيجابية لها و طرق المحافظة عليها و السلبيات التي تقدمها و طرق علاجها، و تحليل البيانات التي حصل عليها و الجزئيات التي ترافقها ، و هذه الملاحظة قد تكون :
- ملاحظة عفوية تراود ذهن الباحث من خلال التفكير و التأمل بها دون الإرادة المقصودة لمعرفتها و تحليل حيثيات هذه الملاحظة.
- ملاحظة مدروسة و التي يخرج بها الباحث عن سابق القصد من خلال جمع بعض البيانات و وضع فرضيات و دراسة نتائجها المتوقعة .
* الفرضيات :
يعتبرها الباحثون من الملاحظات المدروسة،. حيث يقدم الباحث عدد من الفرضيات حول دراسة الظاهرة و مسببات كل منها، و العوامل التي تقف وراء حدوثها، و المتأثرة بها ، و من ثم تحليل هذه الفرضيات من خلال تجزئتها و إجراء العمليات المطلوبة عليها و استخدام الأدوات المخصصة لدراسة هذه الفرضيات نحو تحقيق نتائج مقنعة يمكن الاستناد إليها في تقرير النتائج النهائية .
* التجربة :
يرى البعض أن التجربة خاصة ببعض المناهج البحثية العملية و التطبيقية ، و لكنها أمر هام في المنهج الاستقرائي ، و التجربة تقام على بعض الثوابت و تحليل و قراءة الأثر الناتج من هذه المتغيرات ، و مقارنتها بالنتائج التي توصل إليها الباحث سابقا أو بالمعطيات المقروءة ، و تحديد نتائج مناسبة من خلالها .
كذلك يمر المنهج الاستقرائي بعدة مراحل أخرى و التي لا تعتبر مراحل للمنهج بقدر ما تعتبر مراحل للباحث أو خطوات عمل، و أهمها :
- مرحلة البحث لتحديد الأشياء و مقارنتها من حيث التميز و الاختلاف و التشابه.
- مرحلة تفسير الظواهر العميقة و تحليل الفرضيات، و هذه المرحلة مجزئة لشقين، الشق الأول قراءة و مشاهدة الحدث والشق الثاني قيام التجارب و تحليل المتغيرات .
- مرحلة النتيجة والبرهان و فيها يتم تحقيق الفروض و تطبيقها على الواقع.