اعتمدت المقارنة على مر العصور و اختلاف المجالات كسياسة للتطوير بناء على اختيار الأفضل بين عدة اختيارات، و في مجال الدراسات و العلوم كانت المقارنة على الدوام وسيلة لمقارنة الأحداث و الأدلة و النتائج المتعلقة بالمجال و قيام دراسة بناء عليها للوصول إلى أفضل النتائج، و هذا ما يبنى عليه أساس المنهج المقارن.
فكل دراسة تبنى على منهج معين و عدد من الوسائل و الخطوات و المراحل بهدف الوصول إلى حل لمشكلة الدراسة التي واجهت الباحث العلمي أو الظاهرة التي صدفته ، و على أساسها يتم تحرير البحث و كتابته وفق شروط البحث العلمي و تقسماته المنهجية ، و من أشهر المناهج المعروفة التي تستخدم المنهج الوصفي و الذي يبني الدراسة على أساس وصف المشكلة و دراسة جوانبها و حيثياتها و الانطلاق للسير بخطوات المنهج حتى تحقيق النتائج المرجوة ، و غالبا يتم الاعتماد عليه في الدراسات التي لا تحتاج إلى عمق ، و كذلك المنهج التحليلي الذي يقوم على تحليل بيانات الظاهرة و دراسة أعمق للقضية و صولا لحلها و بيان الأفضل لما يتعلق بها ، و المنهج الاستقرائي الذي يعتمد على قراءة بيانات المشكلة و الانطلاق من الجزئيات إلى العموميات أو الكليات و وضع النتائج الحقيقية التي يمكن اعتمادها كنظريات و براهين مستقبلية، و يأتي المنهج التاريخي في مكانة هامة لدى بعض الباحثين و التي تتعلق مجالات عملهم البحثي باعتماد عدد من الظواهر و الدراسات السابقة و تحديد المشكلة و متغيراتها مع الزمن و النتائج التي قدمتها هذه الدراسات ، و المنهج التجريبي و هو المنهج الأهم لدى الباحثين في العلوم التطبيقية و التجريبية ، و التي تلزم دراساتهم وجود جانب عملي.
فكل نوع دراسة و كل اختصاص له منهج مناسب يجب اتباعه للحصول على أفضل ما يسعى إليه الباحث ، أما المنهج المقارن فقد يعتبره البعض منهج غير مستقل أو مشترك إذا صح التعبير، فهو قائم على جمع البيانات و المقارنة بين المؤثرات و العناصر المتأثرة ، و وضع الفرضيات و التساؤلات و المقارنة بينها ، وحتى الاستناد إلى بعض النتائج في دراسات سابقة و تحديد القواسم المشتركة و علامات الاختلاف و النهوض يبحث مغاير لأي بحث أو دراسة أخرى.
و المنهج المقارن يعتبر منهج كلاسيكي معتمدة في عمليات البحث العلمي منذ القدم ، و كلاسيكي ليس بمعنى التقليدي و إنما بمعنى الأصالة ، فهو متداخل في الدراسة ككل، و قدم اعتمد من قبل الباحثين في العلوم الحياتية للمقارنة بين الوقائع و تطوير البيئةالحضارية للمجتمع ، و من أهم العلوم التي يستند الباحثين فيها على المنهج المقارن ، علوم الآداب و اللغات و العلوم الاجتماعية و القانون ، و يعتمد بشدة كمنهج مشترك مع المنهج التجريبي في الدراسات المتعلقة بالعلوم التطبيقية.
و المنهج المقارن يمكن القول عنه بأنه أحد أهم الوسائل الأدوات العلمية المتبعة في الأبحاث العلمية ذات هيكلية المجموعة من المقارنات في مختلف المجالات و الاختصاصات نحو النهوض بعلوم و نظريات جديدة قد تنهي سابقاتها، و من الجدير بالذكر استخدام العديد من علماء و باحثي العصور القديمة خاصة في أبحاث الاجتماع و علوم القانون للمنهج المقارن، أهمهم كان أرسطو في دراساته الاجتماعية التي قادت للتطور الذي تشهده العلوم الاجتماعية ، و التقدم الذي تعيشه الشعوب اعتمادا على دراسات هذه النخبة من الباحثين لتفسير و تحليل الظواهر المنتشرة حولهم و تعريف كل منها و جوانبها و أوجه التمايز و الاختلاف بينها من للوصول إلى اكتشاف حلول و نتائج علمية حقيقية.
* خطوات المنهج المقارن
تقوم مناهج البحث اعتمادا على عدد من المراحل و الخطوات و المنهج المقارن له خطواته أيضا و التي تبدأ بتحديد الظاهرة و الفرضيات و تفسيرها للحصول على النتائج المرضية للدراسة.
- تحديد الظاهرة
يقوم الباحث بتحديد موضع الدراسة الذي سيبحث فيه و الظاهرة التي تواجهه أو يصادفها و وضع جزئياتها و تحديد المؤثرات و الجوانب لهذه الظاهرة و الرقعة المكانية و الفترة الزمانية التي تقوم عليها الدراسة و التعريف بكل منها و إجراء المقارنة عليها .
- الفرضيات
يضع الباحث مجموعة من الافتراضات المتعلقة بالدراسة و تحديد نقاط الاشتباه التي ترتبط بموضوع الدراسة و المفاهيم التي تحوي نقاط ربط متماثلة و نقاط اختلاف وفق خواص المشكلة مثل منطقة سكانية في موسم معين، و تحديد هذه الفرضيات بدقة و المتغيرات التي يمكن تطبيق المقارنة عليها.
- التفسير
الخطوة التي تقود للنتيجة و منها ينطلق الباحث إلى وضع المبرهنات بعد المقارنة في كل جانب و التفسير لسبب النتيجة التي خرج بها من عملية المقارنة.
- النتائج
و هذه الخطوة هي لتدوين أفضل النتائج التي حصل عليها و التي ستغدو مبرهنات ينشرها و يعممها، و تعتبر خلاصة الدراسة و أهم جزء للمهتمين بموضوع البحث لذا يجب أن تكون موضوعة بإتقان.
إضافة لكل ما ذكر من ميزات و تعاريف سابقة للمنهج المقارن، فإنه كذلك الأمر يقدم عدد من الميزات للدراسة التي تقوم عليه، حيث يعرف بجزئيات الدراسة و كافة جوانبها و يقوم بمقارنتها للحصول على أرضية خصبة للدراسة، و يضع عدد من الفرضيات و يبحث فيها و يقارن النتائج المبدئية، و يجري في عمليات المقارنة هذه تباعا حتى الوصول إلى النتائج النهائية، و التي من واجب الباحث مقارنتها أيضا مع الدراسات المماثلة لتدعيم صحتها و أفضليتها.
و بالتالي فهذه العمليات تساعد القارئ و المهتم بالدراسة على الفهم الصحيح و العميق من خلال فهم كل جزء بشكل منفصل ، و ربط الظواهر مع بعضها و إجراء عدد من المقارنات الذاتية ، و بالتالي يعزز الدافع عند القارئ للمقارنة و بالتالي المعرفة.
و على الرغم من اعتماده كمنهج مشترك مع المنهج التجريبي و كذلك التاريخي ، إلا أن البعض يعتبرون أن بالإمكان استغلاله كبديل للدراسات التجريبية، و توضيح مساوئ و محاسن كل جانب في الدراسة و عرض عيوبها و تجنبها و بسط الإيجابيات و دعمها.
من جهة ثانية بالمنهج المقارن قد يواجه بعض المشكلات و خاصة في الدراسات متعددة المناهج ، ففي المنهج الاستنباطي قد يقدم الباحث عرض للنتائج كبداية مما يصعب الأمر على الباحث لتحديد المشكلة دون تحديد الجزئيات، و هذه النتائج قد تكون مبهمة الحقائق أو غير دقيقة و بالتالي المقارنة لن تكون صريحة و النتائج غير حقيقية أو واقعية.
في بعض الظواهر و المشكلات البحثية قد تتعد العوامل المشتركة و تكثر التفرعات و هذا قد يؤدي لتشتت البحث و عدم انتظامه ، و هذا أحد الجوانب السيئة في المنهج المقارن، و بعض المشكلات البحثية يصعب مقارنة جزئياتها و حتى نتائجها المرتكزة على عوامل تاريخية متعلقة بالتطور الزمني و تغير المعايير وفق الفترة، و بالتالي انعدام الجودة في نتائج مثل هذا النوع من الدراسات.
و بعض الدراسات الاجتماعية مرتبطة بعامل الأرض و العادات و المجتمع و تقاليده ، و لا يمكن فصل و تجريد هذه العوامل للحصول على نتائج مرغوبة، أي من الصعب مقارنة مشكلة و مؤثراتها بشكل منفصل دون ربطها بالمجتمع الذي تقوم عليه.