أدى التقدم التكنولوجي للسيطرة على مجمل نواحي و مركبات الحياة و تحكمها بالمجريات التي نعيشها حتى طالت لتصل إلى المجال التعليمي الذي لم يتمكن من التهرب مع حكم هذه التكنولوجيا والتقنيات عليه ، فدخلت بداية في تطوير مناهج التعليم و خلق سبل أسهل و حلول لبعض المشاكل التي يعانيها المتعلم قبل المعلم ، و لكنها لم تتوقف عند حد العلوم و تطوير المناهج و سبل التدريس ، بل امتدت حتى وصلت لتعديلات جذرية على السلك التعليمي من خلال الفصل بين المعلم و المتعلم و بناء مجتمع علمي غير مقيد جغرافيا، و إن صح التعبير غير محدد بمكان و زمان ثابت.
يعتبر التعليم عن بعد فرصة لبعض الطلاب المتقيدين بالظروف المعيشية و صعوبات الالتزام بأوقات الدوام و التنقل ، و البعض الآخر المندفع لدراسات قد لا تتوفر في بيئته و حدوده الجغرافية و الحصول على شهادات دولية .
و التعليم عن بعد ليس وليد اليوم أو وليد نشأة و تقدم الوسائل التكنولوجية و منصات التواصل ، ففي السابق كان التعليم عبر المنصات المرئية مثل التلفاز و التعليم عبر الراديو على الرغم من عدم فعاليتها آنذاك إلا أنها قدمت فكرة عن هذا المبدأ ، تطور التعليم عن بعد لتخرج بعض الجامعات بوسائل أكثر فعالية مثل أشرطة الفيديو المسجلة و مرفقات المادة التعليمية مثل بعض الاختبارات و الواجبات و شرح بعض المفاهيم، و استمر هذا التطور في مجال التعليم عن بعد إلى أن آل لما هو عليه اليوم بعد خطوات كبيرة اقتطعها في هذا المجال .
قدم الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعية خدمة كبيرة لتطوير أنظمة التعليم عن بعد و التي تسمى بالتعليم الإلكتروني من خلال نشأة بعض المواقع الإلكترونية التي عنت بهذا المجال و تلقت الدعم لتطويره و تسهيل عمليات اللقاء و النقاش و التواصل المباشر و إعطاء المجال لتلقي الاستفسارات و الإجابة عليها في أي وقت .
و التعليم عن بعد مشروع علمي ناجح بكل المقاييس و الأبعاد يؤمن حق الطلاب في المساوات في تلقي العلوم دون تحيز أو الاعتماد على معارف خاصة ، و قد كانت بدايته ناجحة بالنسبة للطلاب في الشهادات الدولية و الدراسات العليا و انتقل ليشمل كافة اطر و مستويات العليم ، كما قدم المنفعة و الفائدة لكل الأطراف بدءا بالطالب و المدرس و انتهاء بمراكز و مؤسسات التعليم ، و للتعليم عن بعد عدد من الإيجابيات و السلبيات و التي سنذكر في هذا المقال أهمها :
* إيجابيات التعليم عن بعد
- زيادة الدافع للتعليم بشكل أقل قيود و بالتالي رفع كفاءة و مستوى التعليم و نهضة و فكر المجتمع.
- كسر حاجز الخوف و الخجل لدى الطلاب و العمل مع المدرسين دون قيود، و هذا أمر هام بالنسبة لبعض متلقي العلوم من المعانين من مشاكل في التواصل داخل تجمعات كبيرة.
- التعليم عن بعد مهم للطلاب الذين يعانون من صعوبات التركيز و تلقي المعلومة من خلال إمكانية التكرار.
- تأمين كوادر وظيفية تغطي الحاجة للتعليم بمؤهلات كبيرة و بأقل الإمكانيات المادية.
- رفع كفاءة التعليم و ثقافة المجتمع و تحقيق سبل وظيفة أكبر للمتعلمين و خاصة الغير قادرين على الالتزام بسبل التعليم التقليدي.
- يسد حاجة الجهات التعليمية و يغطي على سلبيات و نقاط الضعف في المؤسسات و المراكز التعليمية و تقديم الدعم للجهات و المنظمات التدريبية.
- عدم التوقف عند حد معين في التعليم و اكتساب المهارات و إتاحة الفرصة لمن فاته إكمال التعليم أو تعلم جوانب علمية جديدة دون وجود عوائق العمر أو العمل.
- توفير الجهد على المتعلم و الوقت للملتزم ببعض الأعمال و عدم تحمل تكاليف كبيرة مقارنة مع مصاريف التعليم التقليدي.
- كسب المهارات و رفع القدرات التعليمية و التحصيلية و الانفتاح على آفاق جديدة و مواكبة متطلبات سوق العمل باستمرار.
- زيادة الرصيد العلمي للفرد و إعطاءه الفرصة للتعلم الحر دون فروض أو التزامات بجوانب محددة و الاعتماد على الذات في اختيار المصادر التي سيتلقى منها المعلومة.
- الشهادات التي تقدمها منصات التعليم عن بعد أصبحت موثوقة و معتمدة في سوق العمل و لا تقل قيمة عن نظيراتها التقليدية ، بل و تؤشر الدراسات إلى أن مستقبل التعليم عن بعد سيغطي و ينهي وجود سبل التعليم التقليدي بالنسبة لبعض العلوم.
- يتميز التعليم عن بعد بملائمته لكافة المستويات العمرية و الوظيفية و حتى بالنسبة للمحاضرين العاملين على تطوير علومهم باستمرار.
- تعتبر المرونة في التعليم عن بعد من أهم ميزاته و خواصه بالإضافة للأثر الذي يتركه خاصة أنه نظام معتمد على التدريس وفقا لرغبة الطالب بعيدا عن الإجبار و الروتين في التعليم التقليدي.
- سبل التعلم أوسع و اكبر بالنسبة لبعض المجالات التي قد لا تكون موجودة في اطار و حدود دولة الشخص المتعلم، و التعريف بالدورات التدريبية التي يمكن أن تزيد من معرفته و المرتبطة بهذه العلوم.
- فرصة لبناء علاقات اجتماعية مع طلاب و شخصيات هامة و مختصة ، كذلك العلاقات التي تنشأ من شخصيات من جنسيات أخرى تعزز من إمكانية توفر فرص العمل، و إقامة مشاريع بحثية مشتركة أو تعاون في مشاريع خاصة داخل نطاق البرنامج التعليمي هذا.
- يتيح التعليم عن بعد فرصة لتطوير مهارات اللغة لديك و كسب و تعلم لغات جديدة عبر التسجيل في برامج بغير لغتك الأمم، و بالأخص تعزيز مهارات اللغة الإنجليزية كونها اللغة الأكثر انتشارا في وسائل العليم الإلكتروني.
* سلبيات التعليم عن بعد
- قد يعتبر التعليم عن بعد موفر للتكاليف و خاصة مصاريف الدراسة و التنقل و السكن و غيرها، إلا أن تكاليف التسجيل في بعض الدراسات و الاختصاصات قد تكون مكلفة أيضاً .
- عدم الاعتماد التام على الخريجين و حاملي شهادات من مراكز معتمدة لنظام التعليم عن بعد في بعض الدول و بعض أسواق العمل، مثل بعض المؤسسات و المنظمات المسؤولة عن التوظيف و الدراسات العليا في عدد من الدول العربية.
- بعض البرامج لا تقدم بيئة تشاركية في عرضها و إنما تعتمد على محاضر يقدم بعض البيانات و الشرح الذي قد يكون كافي و لكن دون تشاركية ، و هذه تعتبر نقطة ضعف في بعض المجالات التعليمية.
- عدم فعاليته بشدة للبرامج التعليمية التطبيقية، و طغيان القسم النظري في هذا النوع من التعليم.
- فقدان التركيز في بعض الأحيان من خلال عدم وجود ضوابط للحضور و التهاء الطالب، أضف إلى ذلك المجهود الذي يتحمله المدرس وراء شاشة الحاسب أو الهاتف الذكي و ضرورة الرد بشكل متواصل على الاستفسارات دون وجود وقت محدد في بعض البرامج.
- ضياع القيم التربوية التي تؤمنها الجامعات و المؤسسات التعليمية للطالب و انعدام القدرة على بناء الشخصية.