ضرورات النشر العلمي نابعة من الحاجة لتعميم الدراسة على المجتمعات و الفئات التي تهتم بموضوع الدراسة أو متأثرة بالمشكلة التي يقدمها الباحث أو الطالب في دراسته ، لذا كان لا من الاهتمام بموضوع النشر العلمي و تطوير تقنياته باستمرار و العمل على إيجاد وسيلة آمنة في المرتبة الأولى تحمي حقوق الباحث و تحفظ الجهود التي بذلها و توثقها باسمه، و من ناحية ثانية تؤمن تحقيق الغايات التي يسعى إليها من خلال بحثه ، و هذه الغايات كثيرة أهمها الشهرة و التي سنتناول سبل تحقيقها بشكل أكبر في هذا المقال ، إضافة لتحقيق متطلبات الجامعة أو المشرفين فيما يخص الطلاب في الدراسات العليا الساعين لتقديم بحث بغرض تحقيق شروط التقدم لرسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه.
كذلك يسعى الطلاب لتحصيل درجات علمية أكبر من خلال نشر دراساتهم و أبحاثهم العلمية ، و النشر العلمي مهم في عمليات الترقية الوظيفية و تحديد المكانة في المؤسسة التي يعملون.
مما سبق نرى الأهمية التي يحظى بها موضوع النشر العلمي و نستنتج أن أسعار النشر في المجلات العلمية ليست اعتباطية أو بقصد الربح المادي و العمليات التجارية ، و إنما ترتبط بأهمية الدراسة و المكانة التي يقصد الباحث الوصول إليها ، فكما ذكرنا الشهرة للباحث و بناء قاعدة علمية باسمه هدف لا بد من النضال لأجله، و المجلات العلمية تحقق هذه الغاية من خلال الرفع من شأنها و بالتالي شأن الأبحاث المنشورة فيها ، فكيف يتم ذلك ؟
اختيار المجلة العلمية كما هو معروف يعود لعدد من النقاط التي تقود البحث للقمة اذا ما تم الاختيار الصحيح ، فبداية اختيار مجلة تنشر باختصاص البحث أمر ضروري ، و الأفضل أن تكون مختصة في مجاله دون غيره ، و هذا لا يعني أن أسعار النشر في المجلات العلمية مرتبط باختصاص المجلة بقدر الأهمية التي تقدمها مثل هذه المجلات مقارنة مع مجلات النشر المتعدد ، و مع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية الأخيرة.
من ناحية ثانية و يمكن اعتبارها الأهم في اختيار المجلة هو معرفة اعتماداتها و تصنيفاتها و التي تعتبر نقطة جوهرية في انتقاء المجلة التي تنهض بالدراسة ، فتصنيف المجلة العلمية يمكن اعتباره بلا شك العامل الأكبر في اختلاف أسعار النشر في المجلات العلمية ، فهذه التصنيفات تفرض على المجلة الكثير من التكاليف و الجهود، فأي اعتماد يفرض رسوم سنوية على المجلة و كلما زادت الاعتمادات كلما زادت قوة المجلة و شهرتها، و في المقال زادت المتطلبات و الفروض التي على المجلة تحقيقها.
حيث تفرض هذه الاعتمادات على المجلة عدد من الشروط منها توثيق الأبحاث و الالتزام بتعهدات تفرض على المجلة تعيين كوادر لمراجعة الأبحاث المقدمة إليها حتى تحافظ على التزاماتها، فهذه الكوادر ستكلف المجلة أيضا و بالتالي زيادة في أسعار نشر المجلات العلمية المقصودة.
فالمجلات العلمية المصنفة تزيد من ثقة الباحث للنشر فيها و خاصة عند وجود عدد من الاعتمادات المعروفة التي دخلت فيها المجلة و الامتيازات التي حصلت عليها ، و هذا الأمر دفع للمنافسة بين المجلات العلمية التي انطلقت لتحصيل الأفضل ، و كذلك القارئ الذي يرى بحث منشور في مجلة ذات مكانة عالية ستزيد رغيته في الاطلاع على الدراسة لثقته بقيمة المعلومة التي سيجدها ، و الأمر نفسه بالنسبة للباحث الذي يهدف للاستنجاد بدراسة سابقة ليستند إليها و يستشهد بها.
و أمر آخر مهم بالنسبة للباحثين عند اختيار المجلة العلمية المناسبة لبحثهم و أمر يتعلق بتحديد أسعار النشر في المجلات العلمية و هو اللجنة المسؤولية عن مراجعة الأوراق البحثية ، فهؤلاء المختصون يجب اختيارهم وفق معايير و أسس معينة أهمها الخبرة في موضوع تدقيق و تحكيم الأبحاث و النشر العلمي و السمعة الجيدة و الأخلاق التي يتسمون بها و الثقافة العالية و المعرفة بالدراسات المتعلقة بمجال الدراسات المقدمة للنشر في هذه المجلة ، فالأبحاث المقدمة للنشر في المجلات العلمية يجب أن تخضع للتحكيم من قبل لجنة من المختصين في مجال الدراسة ، و المجلات العلمية التي تهتم بمكانتها تلجأ للتعاقد مع عدد من الخبراء في الاختصاصات التي تنشر بها ، و المحكمين في المجلة قد يكونون دكاترة جامعات أو باحثين مشهور، و مهمة التحكيم التأكد من جدارة البحث المقدم و توافقه مع متطلبات النشر العلمي بشكل عام و مع قواعد النشر في المجلة التي قاموا بتقديم الدراسة إليها ، و ضمان أصالة الدراسة و تميزها و تفردها و خلوها من الأخطاء العلمية ، و توجيه الملاحظات للباحث في حال وجودها للقيام بتعديلها ، و رفض البحث من قبلهم يعني رفض قاطع للنشر فهو دليل على تدني مستوى الدراسة أو مخالفتها لشروط النشر ، عادة تتعاقد المجلة مع محكمين أو أكثر لتحكيم الأوراق البحثية المرسلة في كل مجال أو اختصاص في المجلة ، و كلما زاد عدد المحكمين و ارتفعت مكانتهم زادت التكاليف، لذا ترتبط أسعار النشر في المجلات العلمية بهذه النقطة الهامة.
يعتبر النطاق الجغرافي للنشر عامل مميز في تحديد قوة المجلة العلمية المستهدفة للنشر من خلالها ، فبعض الباحثين يهدفون للشهرة عالميا بتقديم دراسات حول قضايا عالمية، فالنشر في مجلات محلية قد لا يفي بتحقيق طموحهم و بالتالي اللجوء إلى المجلات ذات النشر الدولي و التي في المقابل تتطلب عمل أكثر و متطلبات أكبر و هذا ينعكس على التكلفة أيضا ، خاصة أن أسعار النشر في المجلات العلمية تتعلق بعدد اللغات التي يتم النشر فيها و الكوادر المخصصة لتدقيق اللغة و المعلومات التي سيتم نشرها تفاديا للوقوع في الأخطاء.
من النقاط الأخرى التي يتعلق بها موضوع التكلفة هو سرعة النشر و عدد الإصدارات و سمعة المجلة ، فالمجلة تحصل على سمعتها من خلال تاريخا المرموق في نشر أبحاث نالت مكانة عالية و من خلال الامتيازات و التصنيفات التي تم ذكرها سابقا ، و فيما يتعلق بموضوع سرعة النشر فهذا يعود لخبرة المحكمين في عملية تحكيم و مراجعة الأبحاث و سرعتهم و عددهم في المجلة، و عدد الإصدارات في السنة له أهمية أيضا ، فبعض المجلات تسعى للنشر مرتين في السنة لتواكب متطلبات النشر للطلاب و الأكاديميين المقبلين على التخرج خلال فصلي السنة، و البعض الآخر من المجلات العلمية تنشر كل ثلاث أشهر لتقدم فرصة أكبر للباحثين، كما توجد مجلات تنشر بشكل شهري و هذه قد يعود لتفردها في أحد النواحي و الميزات التي تقدمها للنشر العلمي فيها.
لذلك و وفقا لما سبق لا يمكن الاتفاق على سبب بحد ذاته لتحديد أسعار النشر في المجلات العلمية ، كما لا يمكن وضع سعر ثابت مع هذا الكم من العوامل المتعلقة بالنشر في كل مجلة من هذا المجلات العلمية المحكمة ، و الأهم من كل ذلك أن نركز على عدم اتهام وسيلة النشر العلمي هذه بالاتجاه التجاري و عدم السوق نحو المجلات التي تحمل صفة المجلات العلمية و تطرح أسعار منافسة و التي من المؤكد أنها ستقود مصير الدراسة للهلاك.