يتجه الباحثين نحو اتباع المنهج التاريخي في دراساتهم المترافقة مع المتغيرات و خاصة فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية و المفاهيم و القيم التي تختلف و تتنوع حسب النشاط الحاصل ، فهو مهم للباحثين في علوم الاجتماع إضافة للمهتمين بالدراسات المتعلقة بنشأة الحضارات و الثقافات و أصولها و تطور نظمها ، فدراسة تاريخ المشكلة بشكل عام سيقودنا بالتأكيد للوصول لحلول أفضل لها.
و المنهج التاريخي هو الأسلوب و الطريقة التي يتبعها الباحثون العلميون في عدد كبير من الاختصاصات لمعرفة الحقائق و الكشف عن أسس الظاهرة التي يعملون عليها اعتمادا على تاريخها، و هو منهج علمي قائم على استرجاع المعلومات من الماضي و دراسة التغيرات التي طرأت على مختلف اعتبارات الدراسة من عينات الدراسة و العناصر المتأثرة بها و الأدوات المتبعة في جمع البيانات و التغيرات التي حدثت و الدراسات التي قامت على نفس الموضوع و وصف هذه المتغيرات و تحليلها و تفسيرها وفقا للزمان الذي حدثت به الظاهرة و تغيرات مكان وقوعها، و الوصول إلى نتائج ترضي الباحث و المجتمع المهتم.
يم الاعتماد على استخدام هذه المنهج العلمي من قبل الكثيرين من الباحثين و في مجالات مختلفة لا تتوقف عند العلوم الاجتماعية و الطبيعية و علوم الإنسان، و إنما تعتبر هامة في العديد من العلوم التطبيقية التي تعتمد على التجربة على أساس المبادئ المعروفة، و يتطلب هذا المنهج التاريخي تمتع الباحث بدرجات عالية من الثقافة و خلفية تاريخية كبيرة في مجال البحث و بالتأكيد قدرة على الفهم للقضايا و ربطها بالواقع التي قامت فيه و تحليلها و تفسيرها.
و يتمتع المنهج التاريخي بعدد من الخصائص التي تميزه عن مناهج البحث العلمي الأخرى أهمها الملاحظة ، و ليس المقصود بها ملاحظة الباحث بقدر ملاحظات الباحثين الآخرين لجوانب المشكلة و مرتكزات و أسباب حدوثها ، كذلك الوصف الدقيق للظاهرة و تغيراتها و القدرات العالية على التحليل و التفسير و الميزة الأهم في المنهج التاريخي هي عامل الزمن و الفروقات في الظاهرة بين الماضي و الحاضر.
* أهمية تطبيق المنهج التاريخي
للمنهج التاريخي أهميات كبيرة سواء على الباحث أو على النتائج التي سيخرج بها البحث و منها:
- تعريف الباحث بالدراسات السابقة التي قامت في نفس موضوع و مشكلة البحث أو مرتبطة بها و ما يتفرع عنها من علوم و دراسات أخرى ، فبالتالي تزيد من ثقافة الباحث و رصيده العلمي.
- المنهج التاريخي يقوم على التعريف ببعض النقاط في الدراسات السابقة و البحوث العلمية التي قد تفيد في الدراسة، و بالتالي زيادة عدد المصادر و المراجع التي يوثقها الباحث، و هذا يزيد من ثقة الجمهور من القراء و الباحثين في هذه الدراسة.
- يهتم المنهج التاريخي في دراسة المشكلة منذ بداية ظهورها أو اكتشافها و عمليات تطورها، و الحلول السابقة التي قدمتها الدراسات و سلبيات و إيجابيات الظاهرة باتجاه وصول المشكلة إلى حل مناسب.
- يساعد في التعريف بالعلاقات بين الظواهر المتشابهة و الحدود الزمانية و المكانية لنشوئها.
- يساعد المنهج التاريخي على إثبات صحة نتائج دراسات سابقة أو رفضها و عدم قابليتها للتصديق.
- و من الأهميات الكبيرة له التنبؤ بمستقل الظاهرة و تطوير الحلول التي تتعلق بالتطورات المتنبئ بها.
* مراحل و خطوات المنهج التاريخي
تقوم مناهج البحث العلمي كل منها بشكل منفرد على مجموعة من الخطوات المتسلسلة و المراحل التي تفيد في الوصول للنتيجة المرتبطة بالبحث ، و هذا الشيء بالتأكيد ينطبق على المنهج التاريخي الذي يقوم على عدد من الخطوات لبناء دراسة ناجحة و مميزة في حال اتباعها، و هذه الخطوات هي كالتالي:
- تحديد مشكلة الدراسة
و هذه المرحلة هي بداية اي عملية بحثية و يمكن القول أنها الخطوة التي تسبق أي حزء في البحث و المنهج البحثي المتبع، و على الباحث في هذه الخطوة تحديد مشكلة البحث التي اختارها و الزمن التي تقع به و الأسباب التي جعلت الباحث يختارها، و البحث عن الدراسات المشابهة و المتعلقة بها ، فهي قد تكون دراسة سابقة و موجودة في الأصل و الباحث تعرض لها نتيجة الحاجة لتطويرها و إضافة الاعتبارات الحديثة و مقارنتها مع تلك التي حدثت في الماضي من كافة نواحيها و مؤثراتها.
- جمع المعلومات و البيانات
في المنهج البحثي تعتبر هذه المرحلة أساسية و سهلة في نفس الوقت مقارنة مع غيرها من مناهج البحث العلمي، فالباحث يصف الجاهرة و يحدد أبعادها و الجوانب التي تهمه و المرتبطة بالدراسة،. و بعد ذلك ينطلق للبحث عن الدراسات و الأبحاث التي عملت في هذا المجال، و تدوين النتائج التي توصوا إليها و التي تعتبر بيانات لهذه الدراسة الحديثة ، كما يأخذ بعض البيانات من تلك الدراسات و يقوم بتطبيقها و تجريبها على المعايير المعاصرة و مقارنة تلك البيانات و الجوانب التي تؤثر بها ، و النقاط التي تختلف معها و اعتبارها البيانات التي سيسير الباحث على أساسها، و هذه المقارنة ضرورية في المنهج التاريخي، بحيث يعتبر البعض من الباحثين أن المنهج المقارن منهج مشترك بشكل أساسي مع المنهج التاريخي.
- نقد البيانات و الدراسات السابقة
و هي أساسية في عمليات و خطوات المنهج التاريخي للتأكد من صحة المعلومات و البيانات التي قام الباحث بجمعها و النتائج التي اطلع عليها من الدراسات السابقة قبل أن يقوم باعتمادها في الدراسة، و الهدف من هذا النقد تأكيد المصداقية في الدراسة و النهوض ببحث علمي متين و آمن ،و يقسم النقد هذا إلى نوعين أساسيين:
- النقد الخارجي و الذي يتأكد من مصداقية و صحة الدراسة التي عاد إليها الباحث و استشفا منها أحد المعلومات ، و نسب هذه الدراسة إلى صاحبها و خاصة مع خروج العديد من الدراسات غير السليمة و المليئة بالمعلومات المزيفة بقصد زيادة عدد صفحات الدراسة.
- النقد الداخلي و هو المراجعة الدقيقة للأوراق البحثية و معلوماتها للتأكد من صحتها و صحة النتائج التي خرجت بها الدراسة، و الظروف التي أحاطت بالمشكلة في زمن كتابة البحث.
- مرحلة الفرضيات
و هي مرحلة وضع بعض الفروض من قبل الباحث و التي تنبع من خبرته و ثقافته و دراسته للظاهرة و جوانبها و اعتماد الفرضيات المتبعة في دراسات سابقة ، و هذه الفرضيات تعتبر حلول مؤقتة لمشكلة البحث و التي تقوم عليها الدراسات التي تقود للحل الجزري.
- التحليل و التفسير و التركيب
و هي مرحلة تحليل البحث و وضع الخلاصة الرئيسية و هي صلب المنهج التاريخي ، و فيها يقوم الباحث بتحليل الظاهرة وفق البيانات التي جمعها و الفرضيات التي وضعها و تفسير الظواهر و المشكلات التي ترافق الظاهرة، و جمع كل هذه المعلومات و استخلاص الأهم فيها و الانطلاق إلى تدوين النتائج التي توصل إليها.
- نتائج البحث
و تدوين هذه النتائج تعني كتابة خلاصة المعلومات التي جمعها الباحث و ربط هذه النتائج مع أجزاء البحث و التساؤلات المتعلقة بها ، و هذه النتائج يجب أن تكون واضحة مميزة و دقيقة ، و أن يتم كتابتها بطريقة احترافية و تحمل مضمون حلول مشاكل البحث و المقترحات التي يوصي بها الباحث، وقد تصبح هذه النتائج مبرهنات يتم الاستعانة بها ، لذا ينصح بكتابتها بطريقة علمية واضحة.