التفكير التأملي، تفكير الخبرة، تفكير التجربة، التفكير العقلاني، التفكير الهادف المعرفي كل من هذه المسميات تم إطلاقها وفق دراسات علماء و مفكرين لإيجاد وصف دقيق أو تعريف شافي للتفكير الناقد والذي سنتناول في السطور القادمة أهميته، معاييره وأهم خصائصه.
تم تقديم وصف عن التفكير الناقد بأنه عملية عقلانية ذهنية خاضعة لخلاصة تجارب وخبرات يمر بها الإنسان مرتكزة على الملاحظة والتقييم والتحليل السريع وصولا لتقديم تفسير منطقي، وعناصر هذا التفكير الناقد قائمة على الوضوح والدقة والملائمة بحيث يغدو قادراً على التمييز بين الرأي والحقيقة أو بين الاعتقاد والواقع وبين الافتراض والنظرية المبرهنة.
فيما جاء آخرون بتقديم تعريف مرتكز على المهارات بشقيها المتداخلين الوجداني والمعرفي، فالمعرفة العقلانية هي أصل الوجدان والتي تقوم على تفسير المعلومة وتحليل جوانبها ووضع الدلائل وبسط النتائج وتوضيحها وتقديم الحجج المنطقية.
يمكن القول اعتماداً على هذا الوصف أن التفكير النقاد هو عملية عقلية أو ردة فعل الدماغ البشرية بشكل إستقلالي على إثارة تعرض لها في محاولة لإيجاد حلول لهذه المشكلة التي لم يسبق مواجهتها والغير مدرك بمعلومات مسبقة عنها، وهذا التفكير غير مرتبط بأي عامل ديمغرافي للشخص أو بمدى التعرف المسبق بهذه الإثارة، فهو في النهاية مهارة مكتسبة من التدرب والتعلم لكسب القدرة على الإستيعاب والتحليل وتقييم المعلومات من خلال الملاحظة والتجربة.
أهمية التفكير الناقد:
- تأتي الأهمية من ضرورة تحديد النتائج الأكثر دقة لحلول المشكلة عبر إتباع إستراتيجية تم بناؤها للحكم على المشكلة من خلال التعرف بجوانبها ورسم صورة واضحة عنها وتحليلها وتقديم التساؤلات والفرضيات وجمع الحقائق ومقارنتها.
- أهمية إجتماعية ونفسية ورفع الثقة بالنفس من خلال القدرة على حل المشكلات وتفسيرها والتعامل مع أي مؤثر.
- زيادة الوعي والإدراك لدى الفرد ومساهمته الإيجابية النشطة من خلال تقديم التساؤلات بأسلوب مهاري والتعبير عن رأيه في القضايا والمواضيع.
- المساهمة الفعالية في مختلف المجالات الإجتماعية والتربوية والقدرة على التفكير والنقد وبالتالي زيادة الوعي بالقدرات والإمكانيات لدى الشخص.
- إكتساب القدرة على التفكير بوضوح وتسلسل منطقي طريق لتحقيق الميزة التنافسية في أي مجال عمل أو علم.
- التعامل مع المتغيرات بأي مظهر كانت بشكل مرن والقدرة على تحليلها وخلق أصول جديدة للمعرفة مرتبطة بهذه المتغيرات بشكل واضح ودقيق.
- رفع قدرات الفهم والتعبير عن النفس من خلال تحسين مهارات الإلقاء المتدرب عليها والقدرة على التفكير والتحليل بسرعة.
- الإبداع المستمر والقدرة على الإبتكار من خلال تقديم حلول وأفكار مناسبة للمشكلة.
- التفكير الناقد أساس الديمقراطية في قائم على الأفكار المجردة غير المتحيزة والمهارات ومرتكز التحليل والتجريب لإثباتها وتقديم الحكم الصحيح.
معايير التفكير الناقد:
الحكم الدقيق على المشكلة يتطلب حدود معرفية ومنهجية علمية وتدريب متقن، والتفكير الناقد كأي عملية علمية وفكرية لها عدد من المقاييس التي تعبر عن جودتها في النهاية وتؤكد على قدرات المفكر ومدى جودة أفكاره في حال التقيد بهذه المعايير في نتائج، وأهمها:
- الوضوح: الأهم في تحديد قدرات المفكر هو طريقة تقديمه للمعلومة بمعنى أن يتم انتقاء الكلمات المفهومة الواضحة والموجهة بشكل صريح وشرح المفردات وتعزيزها من خلال وصف أو مثال مناسب لأفكاره.
- الدقة: من أهم معايير التفكير الناقد فالمعلومة المقدمة يجب أن تكون مدروسة جيداً ومفحوصة من الأخطاء وتناسبه مع موضوع أو القضية، والتعبير دون زيادة أو نقصان.
- الصحة: وتعني أن تكون المعلومة صحيحة ومأخوذة عن دراسة أو أحد العمليات الإحصائية ولكن دون نسب إلى المصدر الموثق.
- تحديد التفاصيل المرتبطة بالمشكلة أو الفكرة التي يتم طرحها بحيث يخصص النقاط المتعلقة بها.
- الربط: لدينا مشكلة ما وتم تقديم أفكار لها، هذه الأفكار قد تكون مرتبطة بالمشكلة بطريقة ما ولكن ليست مؤثرة على الجانب الذي نبحث به، والإتساق أو الربط هو تحديد الدرجة التي تؤثر بها الفكرة على قضية البحث وإلى أي مدى قد تكون مفيدة.
- العمق: عند معالجة المشكلة فكرياً سنتطرق لعدد من الصعوبات والعقبات أو التعقيدات، والعمق يعني تحديد هذه العقبات من طبيعتها والعوامل التي أدت لها وكيفية التعامل معها وما إلى ذلك.
- الإتساع: كل قضية تدور حول مشكلة أو حدث واضح والعمل يجي على التعامل معه لحله، ولكن الدقة تتطلب التوسع لمعرفة بعض الجوانب المختلفة من وجهات نظر أخرى قد تلفت الإنتباه إلى جوانب أخرى حتى يتم الحكم على الموضوع بطريقة مثالية.
- المنطق: أي وضع الحجج والحقائق التي تم التوصل إليها من خلال تنظيم الأفكار وترتيبها وتقديمها بشكل ومعنى واضح وبدلائل تقود إلى الحقيقة، وما إلى ذلك من مقارنة الأسباب بالنتائج بشكل منطقي.
- الأهمية: وهنا المقصود أهمية المشكلة والنقاط المؤثر عليها في شكلها الأعظم، فالأهمية في التركيز على لب المشكلة والفكرة الأساسية.
- الموضوعية: من الأساسيات في التفكير الناقد كما ذكرنا هو الحيادية وعدم التحيز لأي رأي أو فكر أو معتقد أو جهة حتى تكون النتائج والحلول المقدمة صادقة وفعلية ويتم الأخذ بها، والمفكر عليه التساؤل مع نفسه فيما اذا كانت العاطفة قد قادته أو إذا كان يوجد إهتمام شخصي بالموضوع أو من هذا القبيل.
خصائص التفكير الناقد:
يعتبر التفكير الناقد مهارة سلوكية مكتسبة بطريقة تربوية أو في نطاق التعلم الذاتي و له خصائص وميزات عدة وجب التعريف بها:
- يعتبر التفكير الناقد مهارة قابلة للتعلم في المجال التربوي ويتم تقديمها والتدريب عليها من قبل معلمين مثل غيرها من المناهج التربوية.
- للتفكير الناقد دور في فهم السلوكيات والقيم الإجتماعية التي تنعكس على الفكر من البيئة الاجتماعية ومن الإختلاف في وجهات النظر.
- التفكير الناقد يعني التشكيك في جميع المسلمات حسب القدرة لدى المفكر على خلق شيء متجدد أو نقد شيء ثابت، وبالتالي هو عملية مرنة مستمرة لا تعرف النهاية.
- الأحداث السلبية هي مركز انطلاق التفكير الناقد من مشكلات وأزمات قد نتعرض لها، ولكن هذا لا يهمش المواقف والأحداث الإيجابية وتأثيرها كمحفز للتطور والتقدم.
- من خصائص التفكير الناقد إرتباطه ببعض الانفعالات والمتغيرات النفسية من خوف، قلق، إضطرابات حياتية، فهذه الإنفعالات تعتبر بشكل ما ناتجة عن معارف قابلة للتعديل والتحسين.