إنَّ توثيق مصادر البحث العلمي هو ركيزةٌ أساسية من ركائز أي بحث علمي محكم ، حيث أن أول ما يلتفت إليه القاريء هو مدى استعانة الباحث بالمراجع و المصادر و الدراسات السابقة ، فهي أوضح دليل على ما قام به من جهود ؛ من أجل الحصول على المعلومات التي ساعدته في التَّوصُّل للنتائج ، و التي قام بتحليلها فيما بعد حتى وصل إلى الحلول المناسبة و كل هذه الأمور إنما هي بحاجة للتوثيق بشكل صحيح و دقيق لتحقيق الغرض المطلوب منها ، و من هنا تأتي أهمية توثيق مصادر البحث العلمي لما لها من فوائد كثيرة تهم الباحث و القارىء على حدٍ سواء ، و يُعتبر "بول أوتليت" و "هنري لافونتين" هما من قاما بتأسيس هذا العلم لتلبية حاجة المجتمع و الأمم القادمة إليه ، و في السطور التالية سنتطرَّقُ للتعريف بعملية توثيق مصادر البحث العلمي و أهميتها و شروطها و أنواعها ، و ختاماً سنتعرف على الحاشية و أنواعها .
ما المقصودُ بـ " توثيقِ مصادرِ البحث العلميِّ " ؟
هو الطَّريقة المُمنهجة التي يتبعها الباحث في تدوينُ المعلومات الببليوغرافيَّة عن الكتب و التقارير وغيرها من المصادر التي استفاد منها الباحث ، - علماً أنَّ الحقائق المعروفة للعامَّة "البديهيَّات" لا حاجة إلى توثيقها- ، و الإشارة إلى مصدر المعلومة التي وردت في البحث العلمي أو الرسالة المطروحة ، و من ثم ترتيبها بأسلوبٍ منهجي فني عن طريق التصنيف و الفهرسة ، و ذلك من باب الأمانة العلمية و نسب الفضل لأصحابه .
و تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالتوثيق هو ليس توثيق المراجع و حسب، و لا التفرد بتوثيق النصوص المكتوبة أو المقتبسة أو المُعاد صياغتها ، إنما هو إثبات لحقوق الملكية الفكرية الخاصة بالكتابات و المراجع ، و كلُّ مصدرٍ معرفيٍّ استعان به الباحث .
ما هي أهميَّةُ توثيقِ مصادر البحث العلمي ؟
إنَّ البحث العلمي هو طريقة موضوعية من أجل دراسة النتائج المتعلقة بمشكلة أو ظاهرة ما في إحدى المجالات العلمية النظرية منها أو التطبيقية ، و من هنا فإنَّ الأمانة العلمية تقتضي أن تتم الإشارة إلى مصدر المعلومة عند الحصول عليها من مصدر معين ، حفاظًا على حقوق الغير .
و من هنا كان لتوثيق البحث العلمي فوائد عديدة مهمة ، نذكرُ منها :
أنَّ البحث العلمي لا يشمل كل الجوانب المتعلقة بكل فقرة أو مصطلح ، بل إن الباحث يُشير فقط إلى ما يخدم خطة البحث العلمي من معلومات أو مصادر ، و تعود فائدة توثيق المراجع في البحث العلمي في أنه يصبح بالإمكان الرجوع إلى مصدر المعلومة ؛ من أجل الحصول على قدر أكبر من المعلومات في حالة الرغبة في الاستزادة.
2. إنَّ كتابة المراجع في البحث العلمي هي أوضح دليل على مدى اطِّلاع الباحث العلمي و مستوى إلمامه بالدراسة موضوع البحث ، و تتبُّعه للعديد من الدِّراسات السابقة ؛ لاكتساب المعلومات والأفكار التي أوردها في خطة البحث العلمي.
3. إنَّ لتوثيق المراجع أهمية كبيرة تتمثل في تعرُّف الباحث العلمي و القُرَّاء على مدى حداثة البيانات الواردة في البحث العلمي ؛ من خلال كتابة تواريخ النشر الخاصة بالمراجع ، و من المعروف أن أهم من شروط الأبحاث العلمية الحصول على المعلومات الجديدة التي تخصُّ موضوع البحث ، حيث يستند الباحث إلى نهاية ما توصَّل إليه الأخير، ثم يبني عليها رؤيته وأفكاره لخاصة.
4. يُعتبر توثيق المراجع في البحث العلمي حمايةً للباحث من السرقة العلمية البحثية ؛ حيث أنَّ هناك بعض الكتاب أو الباحثين الذين يقومون بالاقتباس من الغير بتغيير بسيط في الصياغة ؛ من أجل الوصول إلى أهداف مُعيَّنة ترتبط بأفكارهم غير السوية ، وهنا يأتي دور التوثيق الذي يحمي الباحث من ذلك.
5. إنَّ كتابة المراجع لهو مصدرٌ مهم للمعلومات بالنسبة للباحثين الذين ينتمون إلى ذات التخصص، في حالة الرغبة في الحصول على معلومات في ذات المجال.
ما هي شروط توثيق مصادر البحث العلمي ؟
من الخطأ أن نظن أن عملية توثيق المصادرهي عملية عشوائية ، لأنَّ ثمَّة طرقٍ علميَّةٍ و قواعد خاصَّة يجب على الباحث مراعاتها عند عملية توثيق المصادر في داخل البحث من جهة و من جهة أخرى في قائمة إعداد المصادر في نهايته.
و من أهم شروط توثيق مصادر البحث العلمي ما يلي :
- وضع علامة دالة في هامش كل صفحة تشير إلى مصدر الاقتباس أو المعلومة المذكورة ، و ذلك من خلال ترقيم الاقتباسات بأرقام متتابعة في كلِّ صفحة على حدة تلي النصوص المقتبسة ، و ترقَّم مصادر الاقتباسات في هامش الصفحة بذكر جميع المعلومات عنها لأولِّ مرَّة، و في المرَّات التالية يُكتفى بعبارة " مصدر سابق " إذا فصل بمصدر آخر، أو بعبارة المصدر السابق إذا كان الاقتباسُ الثاني من نفس المصدر السابق.
2. وضع علامة دالة تشير إلى مصادر الاقتباس في نهاية كلِّ فصلٍ من فصول الدراسة بترقيم الاقتباسات في كل فصل بأرقام متتابعة تلي النصوص مباشرة ، و توضع نفس الأرقام في صفحة التوثيق في نهاية الفصل بذكر جميع المعلومات التي ترد عنها في قائمة مصادر الدراسة و ذلك لأولِّ مرَّة، و في المرَّات التالية يكتفى بعبارة "مصدر سابق" إذا فصل بمصدر آخر، أو بعبارة المصدر السابق إذا كان الاقتباسُ الثاني من نفس المصدر السابق.
3. وضع علامة دالة تشير إلى مصادر الاقتباس في متن البحث أو الدراسة مباشرة بذكر اللقب و تاريخ النشر و صفحة أو صفحات النصِّ المقتبس بين قوسين مفصولاً عن اللقب عن تاريخ النشر بفاصلة و تاريخ النشر عن صفحة النصِّ المقتبس بفاصلة أيضاً .
ما هي مباديْ و قواعد التوثيق العلمي للمصادر و المراجع ؟
أ – التوثيق في متن البحث:
1. عند اقتباس نصٍّ اقتباساً مباشراً فإنَّ مصدره يأتي بعده مباشرةً بعد وضع النصِّ بين علامتي تنصيص مثل: “إنَّ معدَّلات ما تخدمه المدارس الريفيَّة باختلاف مراحلها من السكَّان لا تبيِّن مدى سهولة استخدام هذه الخدمات”.
2. عند اقتباس الباحث لنصَّين مختلفين من مصدرين مختلفين ، و لكنهما لنفس الباحث ، و قد تم نشرهما في نفس العام ، فيُسْبَقُ تاريخ النشر بحرف ( أ ) لأحد المصدرين ، و بحرف (ب) للمصدر الآخر ، و يكون ذلك وفق ترتيبها الأبجديِّ في قائمة المصادر أي أنَّ الحرف الأوَّل من عنوان المصدر مؤثِّر في ترتيبه.
3. في حال تعدُّد المؤلِّفين فيجب ذكر ألقاب المشاركين في التأليف إذا كانا اثنين مفصولاً كلِّ لقب عن الآخر بفاصلة منقوطة، أمَّا إذا زادوا عن ذلك فيذكر لقب المؤلِّف الأول كما هو على غلاف المصدر متبوعاً بكلمة و آخرون أو وزملاؤه.
4. عند ورود لقب المؤلِّف في نصِّ البحث فيتلوه مباشرة تاريخ النشر بين قوسين ، و في نهاية النصِّ يأتي رقم الصفحة بين قوسين بعد حرف الصاد ، مثل: "إنَّ معدَّلات ما تخدمه المدارس الريفيَّة باختلاف مراحلها من السكَّان لا تبيِّن مدى سهولة استخدام هذه الخدمات" ، و في حالة المصادر غير العربيَّة فلا يختلف الأمر عمَّا سبق إلاَّ بكتابة اسم المؤلِّف بالأحرف العربيَّة أولاً ثمَّ يليه اسم المؤلِّف بلغته ، مثل : ويرى وتني Whitney (1946).
5. عند اقتباس الباحث لآراءٍ أو أفكارٍ من مصدرين و صياغتهما بأسلوبه فإنَّ توثيق ذلك يكون بعد عرض تلك الآراء أو الأفكار هكذا: فيكون بين المصدرين فاصلة منقوطة ، و يلزم أن يسبق المصدرُ الأقدم نشراً المصدرَ الأحدث في نشره.
6. عندما يكون المصدر تراثيَاً فتنبغي الإشارة إلى سنة وفاة المؤلِّف سابقة لتاريخ الطباعة.
7. عند الاقتباس من مرجع مقتبس من مصدر، و في حال لم يتمكَّن الباحث من العودة إلى المصدر، فيُسْبِقُ الباحثُ الإشارةَ إلى المرجع الذي أخذ منه النصَّ بكلمتين مسوَّدتين تليهما نقطتان مترادفتان هما ذكر في: مثل: وعرَّف ماكميلان وشوماخر البحث العلميَّ “بأنَّه عمليَّة منظَّمة لجمع البيانات أو المعلومات وتحليلها لغرضٍ معيَّن.
8. عند الاقتباس من مقابلات تلفزيونية أو إذاعيَّة ، فلتوثيق ذلك يكتب الباحث اسم الشخص الذي تمَّت معه المقابلة أو جرى منه الحديث أو المحاضرة و تاريخ ذلك في الهامش بعد علامة نجمة أشارت إليها نجمة مماثلة بعد النصِّ المقتبس ، و يُعًرَّفُ الشخصُ غير المعروف بطبيعة عمله ، و لا بدَّ من الإشارة إلى استئذانه بعبارة بإذنٍ منه.
ب – للتَّوثيق في قائمة المصادر والمراجع:
أمَّا في قائمة المصادر والمراجع فإنها تُكتب كالتَّالي:
1. الكتب: وتكون البيانات البيبلوغرافيَّة المطلوبة في توثيق الكتب هي: لقب المؤلِّف واسمه، وسنة النشر بين قوسين فإن لم تتوفَّر كتب بدون تاريخ أو اختصارها إلى: د ت ، وعنوان الكتاب مسوَّداً، ورقم الطبعة إن وجدت ولا تسجَّل إلاَّ الطبعة الثانية فما فوق وإهمال تسجيل رقم الطبعة يعني أنَّ الكتاب في طبعته الأولى، ثمَّ يسجَّل اسم دار النشر أو الناشر وعدم تسجيل ذلك يعني أنَّ المؤلِّف هو الناشر، ثمَّ يسجَّل مكان النشر، وتهمل ألقاب المؤلِّفين كالدكتور أو الشيخ أو غيرهما، ونموذج ذلك مثل:
فودة، حلمي محمَّد؛ عبدالله عبدالرحمن صالح، (1991م)، المرشد في كتابة الأبحاث، الطبعة السادسة، دار الشروق، جدَّة.
2. الكتب التراثيَّة القديمة : إنَّ طريقة توثيق الكتب التراثية لا تختلف كثيراً عن توثيق الكتب المعاصرة ، إلاَّ أنَّه ينبغي ذكر تاريخ وفاة المؤلِّف بعد ذكر اسمه سابقاً لتاريخ النشر ؛ لكي لا يلتبس الفهم على من لا يعرِف المؤِّلِّف ، كما في المثال التالي:
ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمَّد، (ت 808هـ، ط 1990م)، مقدِّمة ابن خلدون، دار الجيل بيروت.
3. الدوريَّات: يتم ذكر لقب المؤلِّف متبوعاً بالأسماء الأولى، ثمَّ سنة النشر، ثمَّ عنوان المقالة أو البحث ، ثمَّ عنوان الدوريَّة ، ثمَّ رقم المجلَّد أو السنة ، ثمَّ رقم العدد، ثم أرقام صفحات المقالة أو البحث ، ثمَّ الناشر، ثمَّ مكان النشر، مثل:
الغانم، عبدالعزيز، (11990م)، أخلاقيَّات مهنة التعليم كمعايير لضبط سلوكيَّات المعلِّمين، مجلَّة دراسات الخليج والجزيرة العربيَّة، السنة السادسة عشرة، العدد 62، رمضان 1990م، ص ص87-128، جامعة الكويت، الكويت.
4. سلاسل البحوث التي تصدرها الجمعيَّات: و مثال عليها ما يلي :
السرياني، محمَّد محمـود، (1988م)، السمـات العـامَّـة لمراكز الاستيطـان الريفيَّة في منطقة الباحة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، سلسلة بحوث جغرافيَّة رقم (14)، الجمعيَّة الجغرافيَّة الكويتيَّة، الكويت.
5. الرسائل العلميَّة غير المنشورة: يتم ذكر لقب المؤلِّف متبوعاً بالأسماء الأولى ، ثمَّ سنة الحصول على الدرجة بين قوسين ، ثمَّ عنوان الرسالة مسوَّداً ، ثمَّ تحدَّد الرسالة (ماجستير / دكتوراه) و تتم الإشارة إلى أنَّها غير منشورة ، ثمَّ اسم الجامعة، فاسم المدينة موقع الجامعة، مثل:
الواصل، عبدالرحمن بن عبدالله، (1420هـ)، مراكز استقطاب الخدمات الريفيَّة ودورها في تنمية القرى في منطقة حائل: دراسة في جغرافيَّة الريف، رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الجغرافيا، كليَّة العلوم الاجتماعيَّة، جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، الرياض.
6. الكتب المترجمة: تظهر تحت اسم المؤلِّف أو المؤلِّفين و ليس تحت اسم المترجم، كالمثال التالي:
بارسونز، س ج، (1996م)، فنُّ إعداد وكتابة البحوث والرسائل الجامعيَّة، ترجمة أحمد النكلاوي ومصري حنورة، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة.
7. الجرائد والمجلاَّت: يذكر اسم مؤلِّف المقال وإلاَّ تعدٌّ الجريدة أو المجلَّة هي المؤلِّف، يلي ذلك سنة النشر بين قوسين، ثمَّ عنوان المقال، ثمَّ اسم الجريدة أو المجلَّة مسوَّداً متبوعاً بسنة النشر وتاريخ اليوم والشهر ثمَّ الصفحة أو الصفحات بين قوسين، ثمَّ اسم المدينة موقع الجريدة أو المجلَّة، مثل:
القرني، علي عبد الخالق، (1419هـ) آفاق جديدة في تقويم الطالب، مجلَّة المعرفة (عدد 34 محرَّم 1419هـ، ص ص62-77)، الرياض.
ما هي الحاشية ؟
الحاشية:
هي الهامش ، وهي المساحة الموجودة تحت النص ، و يتمُّ فصلها عنه بخط قصير يبدأ ببداية السطر و يبلغ طوله تقريباً 4 سم ، و برغم ما ورد حول هذين المصطلحين " الحاشية و الهامش " من اختلاف بين العلماء ، إلاَّ أنَّ معاجم اللغة تستعملهما استعمالاً مترادفاً ، حيث قال الفيروز أبادي في القاموس المحيط : الهامش: حاشية الكتاب ، ج 2، ص294، و أطلق أبو سليمان (1400هـ) على محتويات الهامش التهميشات، (ص95)، و من الحقائق المهمَّة التي يجب ملاحظتها و الانتباه لها أنَّه يُفضَّلُ التقليل قدر الإمكان من الهوامش ؛ حتى يضمن الباحث متابعة القارئ لبحثه بلا ملل فلا يقطع عليه حبل أفكاره ، و في متن البحث يُشار إلى الهامش الإيضاحي بعلامة نجمة (*) و ليس برقم ، فإذا احتوت الصفحة على أكثر من إشارة أعطيت الإشارة الثانية نجمتان (**) وهكذا ، و يكون لها ما يقابلها في الهامش ، و بشكلٍ عام تستخدم الحاشيةُ لما يأتي:
1. للفت انتباه القارئ إلى نقطة سبقت مناقشتها أو نقطة لاحقة.
2. للتأكيد على فكرة يؤدِّي إبرازها في المتن إلى قطع الفكرة الأساسيَّة.
3. لتوجيه شكر وتقدير.
4. لشرح بعض المفردات أو العبارات أو المصطلحات أو المفاهيم.
5. للإشارة إلى رأي أو معلومة أو فكرة مقتبسة من مقابلة شخصيَّة.